هيغسيث: بدأنا عملية "ضربة عين الصقر" في سوريا للقضاء على مقاتلي داعش وبنيتهم التحتية
تُعد زيارة وزيرة الخارجية الكندية أنيتا أناند إلى الهند في أكتوبر 2025 محطة بارزة في مسار إصلاح العلاقات الثنائية بين البلدين، بعد سنوات من التوتر الذي سبّبته قضية مقتل المواطن الكندي هارديب سينغ نيجار.
وجاءت الزيارة في إطار جهود يقودها رئيس الوزراء الكندي مارك كارني منذ توليه منصبه في منتصف العام، بالتوازي مع رغبة نيودلهي في إعادة بناء شراكتها مع أوتاوا على أسس جديدة تتجاوز الخلافات السابقة، نحو تعاون عملي قائم على المنفعة المتبادلة.
وبحسب صحيفة "يوراسيان ريفيو"، بدأت عملية إعادة ضبط العلاقات فعليًّا عندما دعا كارني نظيره الهندي ناريندرا مودي لحضور قمة مجموعة السبع في كندا في يونيو 2025، حيث اتفق الزعيمان على خطوات تدريجية لتطبيع العلاقات.
وتلا ذلك استئناف الحوار على المستويين السياسي والبيروقراطي، مع الاتفاق على معالجة القضايا الحساسة بعيدًا عن التصعيد الإعلامي، من خلال قنوات مؤسسية بين الأجهزة الأمنية في البلدين.
خلال زيارتها إلى نيودلهي، التقت أناند برئيس الوزراء مودي وأجرت محادثات معمّقة مع وزير الخارجية سوبرامانيام جايشانكار.
وفي تصريحاتها لوسائل الإعلام الكندية، قالت إن “الهند وكندا تمرّان بمرحلة حاسمة من الدبلوماسية الاقتصادية والبراغماتية”، في إشارة إلى التحول من مرحلة القطيعة الدبلوماسية التي بدأت في سبتمبر 2023 بعد اتهام أوتاوا للهند بالتورط في اغتيال نيجار، وهو ما نفته نيودلهي بشدة.
وأدت الأزمة حينها إلى تدهور حاد في العلاقات، شمل طردًا متبادلاً للدبلوماسيين وتعليق قنوات الاتصال. ومع انتقال السلطة من جاستن ترودو إلى مارك كارني في مارس 2025، ونجاحه في الفوز بالانتخابات، برزت فرصة جديدة لإعادة تقييم العلاقات الثنائية.
من جانبها، استغلت الهند هذا التحول السياسي للدفع باتجاه استعادة الحوار، لتصبح زيارة أناند أول زيارة وزارية كندية إلى الهند منذ أكثر من عامين.
وأسفرت الزيارة عن بيان مشترك أكد التزام البلدين بإعادة بناء الثقة وتوسيع التعاون في مجالات الاقتصاد والأمن والطاقة والتغير المناخي والتكنولوجيا والاتصالات بين الشعبين.
كما اتفق الجانبان على خارطة طريق جديدة لإحياء المفاوضات الخاصة باتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة التي كانت معلقة منذ عام 2023.
وعلى الرغم من التوتر السياسي، فقد واصل الاقتصاد دوره كقناة تواصل فعالة؛ إذ تجاوز حجم التجارة الثنائية في السلع والخدمات 30 مليار دولار كندي في عام 2024.
وأشارت أناند وجايشانكار إلى أن الهدف المقبل هو استئناف النقاشات على المستوى الوزاري حول التجارة والاستثمار، مع مراعاة التحولات في النظام التجاري العالمي والتوترات المتزايدة بين واشنطن وحلفائها. ويبدو أن تنويع العلاقات التجارية بعيدًا عن الاعتماد المفرط على السوق الأمريكية أصبح أولوية مشتركة لكل من نيودلهي وأوتاوا.
وشدد البيان المشترك أيضًا على أن الزخم المتجدد في العلاقات يستند إلى الاحترام المتبادل للقيم الديمقراطية وسيادة القانون، وهي إشارة إلى الرغبة في تجاوز الاتهامات السابقة التي تبادلها الطرفان بشأن انتهاك السيادة.
وكانت الهند قد اتهمت كندا بالتغاضي عن أنشطة متشددين مناهضين لها داخل أراضيها، بينما اتهمت أوتاوا نيودلهي بما وصفته بـ"القمع العابر للحدود".
ولا تزال الإجراءات القضائية ضد أربعة مواطنين هنود يُشتبه في تورطهم في مقتل نيجار جارية، ومن غير المتوقع أن تبدأ المحاكمات قبل نهاية عام 2026.
ومع ذلك، فقد دشّنت زيارة أناند مرحلة جديدة من الحوار الأمني المؤسسي بين البلدين، تشمل التعاون في إنفاذ القانون وتبادل المعلومات الاستخباراتية ومكافحة الإرهاب.
كما تم الاتفاق على تعزيز التنسيق بين وكالة التحقيقات الوطنية الهندية والشرطة الملكية الكندية للتعامل مع قضايا التطرف العابر للحدود ومخاطر استغلال الشتات الهندي في الأنشطة السياسية أو الإرهابية.
ويُدرك الطرفان أن تجنب تكرار حوادث مثل مقتل نيجار يتطلب ما هو أبعد من تبادل الاتهامات، أي إرساء قنوات شفافة للتواصل وبناء الثقة بين الأجهزة المعنية.
ويكتسب هذا الأمر أهمية خاصة بالنظر إلى أن الكنديين من أصل هندي يشكلون نحو مليوني نسمة من إجمالي سكان كندا البالغ 39 مليونًا، ما يجعلهم جسرًا بشريًّا بين البلدين يجب الحفاظ على تماسكه واستقراره.
في هذا السياق، يشكل التعاون الأمني الجديد لبنة أساسية لإعادة بناء الثقة السياسية والدبلوماسية. فالبلدان يسعيان إلى الحد من مخاطر العمليات خارج نطاق القضاء، وضمان بيئة آمنة للمواطنين والمغتربين على السواء.
في المحصلة، يعكس الزخم الحالي في العلاقات الهندية–الكندية قدرة الدبلوماسية الهادئة على تجاوز الأزمات العميقة.
ورغم أن الطريق ما زال طويلاً نحو تطبيع كامل، فإن ما تحقق حتى الآن يبرز كيف يمكن لدول ديمقراطية ذات مصالح عالمية متقاطعة أن تعيد صياغة علاقاتها المتوترة من خلال الحوار المتدرج، والبراغماتية السياسية، والالتزام بقيم مشتركة في عالم يزداد تعقيدًا.