يرى خبراء أن الضربة الجوية الأمريكية الأخيرة ضد تنظيم داعش في نيجيريا كشفت عن تحولات استخباراتية لافتة، بعد تراكم معلومات دقيقة حول تمدد التنظيم وتطور تسليحه، في وقت تتراجع فيه قدرة الجيش النيجيري على تنفيذ ضربات تحد من نشاط التنظيم.
ويقول الخبراء إن الإدارة الأمريكية اختارت التوقيت الذي تزايدت فيه كلفة المواجهة على أبوجا، بالتزامن مع ارتفاع وتيرة نشاط الجماعات المسلحة العابرة للحدود؛ ما جعل التدخل الأمريكي سببًا مباشرًا لسد الفراغ الأمني في بلد يشهد صراعًا لجماعات جهادية عابرة للحدود.
وحول أبعاد ودوافع واشنطن، أكد المتخصص في الشأن الإفريقي، الدكتور علي السيد أن "التدخل الجوي الأمريكي المباشر يعكس تحولات مدنية واستخباراتية متراكمة لدى واشنطن بالتعاون الوثيق مع الجيش والحكومة في نيجيريا"، موضحًا أن "من أبرز دوافع هذه الضربات تصاعد عمليات تنظيم داعش وتطوُّر أدائه العسكري، إذ بدأ بإطلاق المسيرات بدائية نسبياً واستخدام أسلحة ثقيلة أكثر مما كان عليه من السابق".
وأضاف الأكاديمي السيد لـ"إرم نيوز"، أن "التنظيم بات يعتمد على نمط متطور من التسليح؛ ما رفع كلفة المواجهة على الجيش النيجري الذي أصبح عاجزاً عن تنفيذ غارات جوية، بسبب ضعف قدراته الجوية؛ دفعه إلى جمع معلومات دقيقة عن نشاط داعش، رغم الفجوة الكبيرة في قدراته العسكرية الجوية"، مشيراً إلى أن "تمدد التنظيم يتجاوز الحدود الإدارية ليشمل بضع دول في الساحل الإفريقي، من نيجيريا والنيجر وتشاد وصولاً إلى الكاميرون، وهو ما يؤكد طابع نشاطه العابر للحدود".
وأشار إلى أن ما صرّح به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن مشاركة قواته دفاعاً عن المسيحيين الذين يتعرضون لـ "إبادة"، نفته الحكومة النيجرية بشكل قاطع وقالت: "إن هذه العمليات مخطط لها منذ فترة بعد نضوج المعلومات الاستخباراتية"، لافتاً إلى أن الجماعات الإرهابية ومنها داعش تستهدف المسلمين والمسيحيين معاً، كما حدث قبل يومين حين فجَّر انتحاري نفسه داخل مسجد في شمال نيجيريا؛ ما أدى إلى مقتل نحو خمسة أشخاص وإصابة 35 آخرين.
وأوضح السيد أن المنطقة تضم إلى جانب التنظيم جماعات متمردة أخرى؛ ما يعني أن التدخل الأمريكي لا يرتبط بحماية فئة دينية بعينها، لأن داعش لا يفرق بين الطوائف، وهو ما أكدته السلطات النيجيرية بقولها إن "الجماعات تستهدف المسلمين والمسيحيين على حد سواء".
واختتم المتخصص في الشأن الإفريقي حديثه بالتأكيد أن الضربات الأمريكية جاءت بعد نضوج معلومات استخباراتية خلال هذه الفترة، ومع ضعف قدرات الجيش النيجيري على تنفيذ عمليات جوية، تدخّل الجانب الأمريكي لتنفيذ الضربات بما يحقق منفعة مشتركة تخدم مصالح أمريكا ومصالح الحكومة النيجيرية في الوقت ذاته.
ومن جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم زين كونجي، إن "التعاون الأمني بين نيجيريا والدول الأخرى ليس جديداً، إذ سبق أن شهدت البلاد تعاون مجموعة دول الساحل، إضافة إلى تدخلات برية منذ عام 2015 شاركت فيها القوات التشادية والنيجر والكاميرون وبنين، فضلاً عن تعاون جوي سابق بين الأردن ونيجيريا عام 2016".
وأضاف كونجي لـ"إرم نيوز"، أن "هناك تدخلات عسكرية أخرى لبضع دول، مثل: أمريكا أو بريطانيا أو ألمانيا أو الصين وغيرها، إلا أن كثيراً منها لم يعلن رسمياً، بينما جاء الإعلان الأمريكي الأخير إلى الواجهة بوصفه الحدث الأبرز".
ويرى أن "رغم كثرة العوامل المحيطة وتعقيد المشهد، فإن توقيت الإعلان الأمريكي وتصريحات ترامب غير متناسبين، إذ طغى عليهما الطابع الدعائي أكثر من السياسي أو الدبلوماسي، خاصة في ظل تعدد الجماعات المسلحة المنتشرة في أرجاء نيجيريا، من بوكو حرام وداعش في الشمال الشرقي، إلى جماعات حدودية في الشمال الغربي، فضلاً عن جماعات الخطف وقطاع الطرق في مختلف المناطق، وصولاً إلى جماعات مسلحة في الجنوب تمارس القتل والخطف وتفجير خطوط النفط منذ عقود".
وأوضح الكاتب والمحلل السياسي أن" تصريحات ترامب التي تربط التدخل بحماية المسيحيين من إبادة جماعية لا تعكس حقيقة الوضع، فالصراع في نيجيريا دموي ممتد ذو جذور دينية بين الشمال ذي الأغلبية المسلمة والجنوب ذي الأغلبية المسيحية، ولا يوجد من هو أقوى من الآخر"، مشيراً إلى أن "جميع الأطراف مسلحة ولها نفوذ ولها أخطاء وجرائم؛ دفع بعض القساوسة النيجيريين للاعتراض على التصريحات الأمريكية".
ولفت إلى أن "ربط الضربات الجوية بحماية المسيحيين من بوكو حرام أو داعش غير دقيق، فهذه الجماعات تستهدف المسلمين قبل المسيحيين، إذ سبق القصف الأمريكي بيوم واحد انفجار داخل مسجد، كما أن المساجد تعرضت لهجمات منسقة أكثر من الكنائس في شمال البلاد".
واختتم كونجي حديثه بأن "توقيت التدخل الأمريكي وطريقة الإعلان عنه غير مناسبين، بل يزيدان من تأجيج الصراع الديني القائم، بينما يواصل المدنيون في المناطق المتضررة مناشدة كل الأطراف توفير الحماية لهم من الجرائم البشعة التي ترتكبها هذه الجماعات منذ سنوات".