كشف مقربون من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لـ"إرم نيوز"، أن الأولوية في التعامل في الفترة الحالية للولايات المتحدة ستكون لـ"الدبلوماسية" وليس المواجهة المباشرة، وخاصة في ملفي المفاوضات النووية الإيرانية-الأمريكية، فضلاً عن ملف الحرب الروسية الأوكرانية.
وتدور في أروقة مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض مجموعة نقاشات على مدار الساعة بشأن استراتيجية الإدارة الحالية للتعامل مع إيران، فيما يطفو على السطح رأيان يتوزعان بين مؤيدين للخيار الدبلوماسي مع الاحتفاظ بقوة الضغط الهائلة عن طريق فرض مزيد من العقوبات المختلفة على طهران.
ويقول أنصار الخيار الآخر إن التجارب السابقة مع طهران لم تحقق الأهداف المرجوة منها، وظلت إيران دائما مصدرا لإزعاج الولايات المتحدة ومساعيها لتحقيق السلام والاستقرار في الشرق عن طريق أذرعها المتحركة في دول المنطقة.
هذا التصور ينتصر لخيار التعامل العسكري المباشر مع طهران؛ لأنه وحده قادر على فرض معادلة جديدة في المنطقة خاصة في ظل استمرار الجدل حول الملف النووي الإيراني وفشل الإدارة الديمقراطية السابقة في التوصل إلى أي اتفاق مع حكومة طهران على هذا الصعيد.
يقول المقربون من إدارة الرئيس ترامب لـ"إرم نيوز"، إن التقدير الغالب في الوقت الحاضر لدى الرئيس وكبار معاونيه الدبلوماسيين والأمنيين يتمثل في إعطاء الدبلوماسية فرصتها في المحاولة والتعاون مع الوسطاء في مسقط وموسكو لقيادة هذه الجهود، على أمل أن تصل الإدارة إلى تحقيق تلك الأهداف التي تسعى إليها من دون اللجوء إلى خيارات المواجهات المباشرة مع طهران.
المقربون يقولون إن معاوني الرئيس يضعون في المرحلة الحالية الأولوية للدبلوماسية على الطاولة كخيار رئيس؛ بسبب مجموعة من الاعتبارات، على رأسها رغبة ترامب الشخصية في ترك باب الدبلوماسية مفتوحا، خاصة في ظل الوساطة التي تم إعلانها من جانب الرئيس الروسي في الفترة الأخيرة.
وكذلك تلك الجهود التي تخوضها سلطنة عمان في المفاوضات غير المباشرة سواء في العاصمة مسقط في المرحلة الأولى السرية والعلنية، أو في مرحلة التفاوض الجارية حاليا في العاصمة الإيطالية روما.
وإضافة إلى هذا الخيار الذي ينحاز إليه الرئيس ترامب في المرحلة الحالية، هناك أسباب أخرى تتعلق برغبة الفريق الأمني والدبلوماسي في البيت الأبيض بتحقيق إنجاز في ملف حرب أوكرانيا لأسباب ترتبط بتلك الالتزامات الانتخابية التي أطلقها الرئيس الأمريكي بقدرته على إنهاء هذه الحرب خلال اليوم الأول من عمر إدارته.
لكن العقبات والتعقيدات التي واجهها فريق ترامب بين الجانبين، موسكو وكييف على التوالي، لم تسمح للإدارة بتحقيق هذا الوعد في الشهور الثلاثة الأولى من عمر ولايته الرئاسية الثانية.
الالتزام السياسي والإرث الشخصي
المقربون أشاروا إلى أن ترامب لا يزال يحرص على الإبقاء على التزامه السياسي بأنه سيكون الرئيس الذي يسعى لتحقيق السلام وإنهاء الحروب التي ورثها عن إدارة الرئيس السابق جو بايدن. ذلك يجعله يذهب في اتجاه الابتعاد عن الدخول في حروب جديدة في منطقة مضطربة لديها عدد كافٍ من الأزمات والنزاعات المفتوحة في السنوات الأخيرة.
هذا التصور الذي يقول به المقربون يصطدم كذلك ببعض التحديات الداخلية التي تواجهها الإدارة في فترة المائة يوم الأولى، فقد بات واضحا أن التوجهات الاقتصادية للرئيس ترامب، خاصة فيما يرتبط بأزمة الرسوم الجمركية، لا تجد التأييد من الناخبين الأمريكيين، بينهم حتى جمهوريون.
هذا إضافة إلى مخاوف الأمريكيين من تضاعف حجم التضخم الذي يضرب الأسواق الأمريكية خلال السنوات الخمس الأخيرة، ومخاطر ارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات قياسية، كما يقول رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول.
كل هذه التطورات على الجبهة الداخلية تجعل الملفات الخارجية تتراجع على أجندة الأولويات بالنسبة لفريق ترامب في المرحلة الحالية.
وما يعزز هذا التوجه أكثر ما كشفت عنه صحيفة "وول ستريت جورنال"، التي تقول إن شهر أبريل/نيسان الحالي كان الأسوأ في تاريخ الرؤساء الأمريكيين منذ عام الكساد العظيم، عام 29 من القرن الماضي على جبهة أداء الاقتصاد وأرقامه.
هناك مسار تفاوضي وهو في مراحله المبكرة، ويقوده عن الجانب الأمريكي المبعوث الرئاسي ستيف ويتكوف؛ وهو الرجل الذي يحظى بثقة الرئيس ترامب الكاملة في جميع الملفات الموكلة إليه؛ لذلك هناك رهان جيد تضعه الإدارة على هذا المسعى الدبلوماسي.
مسألة واحدة يقول المقربون من ترامب إنها تثير القلق بين أعضاء الفريق الأمني للبيت الأبيض، وهي تلك التي ترتبط بالتزام الرئيس ترامب بوضع سقف زمني للتفاوض مع طهران لا يتعدى الشهرين، ولكن التجارب السابقة جميعها تشير إلى أن الإيرانيين يفضلون الاعتماد على عنصر الزمن في إدارة المفاوضات مع الولايات المتحدة والمجموعة الغربية.
التزام ترامب بفترة الشهرين كسقف زمني أقصى يجعل عامل الزمن ضاغطا على الجانبين لتحديد معالم اتفاق يمكن من خلاله صياغة رؤية تتعدى الملف النووي إلى علاقات اقتصادية تسمح للولايات المتحدة بإطلاق مشاريع استثمارات ضخمة في إيران في مرحلة ما بعد الاتفاق.
وهذه النقطة تحديدا يقول المقربون إنها تبدو جذابة للطرفين، على اعتبار أن الرئيس ترامب كان قد أعاب على اتفاق أوباما مع إيران في ولايته الرئاسية الثانية. ورأى أن الولايات المتحدة لم تستفد بالصورة الكافية من الاتفاق اقتصاديا مقارنة بالشركاء الأوروبيين وقتها؛ لذلك كون الولايات المتحدة تتفاوض بصورة منفردة هذه المرة، سيجعل مكاسب الاتفاق الاقتصادية أمريكية بالدرجة الأولى.
وفي مقابل ذلك، يحاول الإيرانيون وعلى لسان وزير خارجيتهم طرح إمكانية فتح أسواقهم المحلية لمشاريع أمريكية بقيمة تريليون دولار، خاصة في مجالات الطاقة، وهي إشارة كافية إلى أن التوصل لاتفاق تتجاوز منافعه الملف النووي إلى علاقات اقتصادية واستثمارات أمريكية ضخمة في العراق في المرحلة المقبلة.