أكد خبير العلاقات الدولية والمختص في الشؤون الأوروبية، الدكتور عبدالمسيح الشامي، أن العقوبات التي أعادت أوروبا تفعيلها ضد إيران جاءت نتيجة فقدان الثقة الكامل في نوايا طهران النووية، بعد تجاوزها السقف المسموح به في تخصيب اليورانيوم وعرقلة مهام الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وأضاف في حوار لـ"إرم نيوز"، أن أوروبا التي حاولت لسنوات لعب دور الوسيط بين واشنطن وطهران، وجدت نفسها مضطرة للاصطفاف خلف الموقف الأمريكي الأكثر تشددًا، معتبرة أن الاتفاق النووي لعام 2015 لم يعد قادرًا على تلبية متطلبات الأمن الإقليمي والدولي.
وأشار الدكتور الشامي إلى أن العقوبات ستضاعف عزلة إيران الاقتصادية في ظل أزماتها الداخلية وتراجع قدرتها على دعم حلفائها الإقليميين، مبينًا أن الانقسام داخل الاتحاد الأوروبي لا يتجاوز الخلافات التكتيكية، حيث يجمع الأوروبيون على رفض امتلاك إيران لسلاح نووي.
وتالياً نص الحوار:
السبب الرئيسي يعود إلى فقدان الثقة المتراكم في نوايا طهران النووية، بعدما تجاوزت السقف المسموح به في تخصيب اليورانيوم، ورفضت التعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وهذا التوجه يعكس قناعة أوروبية بأن إيران تسعى لفرض أمر واقع عبر الاقتراب من العتبة النووية، وهو ما يشكل تهديداً مباشراً للاستقرار الإقليمي وللأمن الدولي، وهو ما لم يعد قابلاً للتجاهل.
الموقف الأوروبي لم يكن بمعزل عن واشنطن بل جاء نتيجة تنسيق متقدم، خاصة مع توجه إدارة الرئيس ترامب إلى سياسة أكثر تشدد تجاه إيران، ورغم أن أوروبا حاولت في السابق لعب دور الوسيط بين طهران وواشنطن، إلا أن التطورات الأخيرة دفعتها إلى الاصطفاف خلف الموقف الأمريكي، وهو يعكس تراجع الرغبة الأوروبية في الاستقلالية بهذا الملف الحساس.
الترويكا تعتبر إيران في حالة خرق واضح لالتزاماتها، سواء عبر التخصيب المفرط أو تعطيل عمليات التفتيش، ويعتبر الأوروبيون أن استمرار هذه الممارسات يجعل من المستحيل الدفاع عن إيران أو إقناع المجتمع الدولي بجدوى العودة إلى الاتفاق القديم.
هذه العقوبات لن تكون رمزية فحسب، إذ تأتي في وقت تواجه فيه إيران أزمة اقتصادية خانقة، ونقصًا في العملة الأجنبية، وضغوطًا متزايدة على حلفائها الإقليميين في سوريا واليمن ولبنان.
وبالتالي، فإن إعادة تفعيل العقوبات سيضاعف عزلة طهران الاقتصادية، ويقلص قدرتها على المناورة الخارجية، حتى لو حاولت إيجاد متنفس عبر روسيا أو الصين.
الاتفاق القديم أصبح في حكم المنتهي، إذ تعتبر واشنطن أنه منح إيران مزايا اقتصادية دون ضمانات كافية لوقف مشروعها النووي، خاصة وأن أوروبا باتت أقرب إلى تبني رؤية أمريكية تسعى إلى صياغة اتفاق جديد أكثر صرامة، يتضمن قيوداً إضافية على الصواريخ الباليستية والدور الإقليمي الإيراني، وهو ما يجعل فرص العودة إلى اتفاق 2015 شبه معدومة.
هناك تباينات تكتيكية بين دول الاتحاد، حيث تميل بعض الدول مثل إيطاليا وإسبانيا إلى نهج أقل حدة، نظرًا لعلاقات اقتصادية تقليدية مع طهران، ولكن في النهاية، لا يصل الأمر إلى خلاف استراتيجي، إذ يجمع الأوروبيين موقف موحد برفض امتلاك إيران لسلاح نووي، والاتفاق على أن العقوبات أداة ضرورية لإجبارها على التراجع.
التأثير سيكون مباشرًا، فالعقوبات ستحد من قدرة الشركات الأوروبية على التعامل مع إيران في قطاع النفط والغاز تحديدًا، ورغم حاجة أوروبا لمصادر الطاقة، فإنها تضع الاعتبارات الأمنية والسياسية في المقدمة، وهو ما يدفع إيران لمحاولة استخدام ورقة الإمدادات كسلاح ضغط، الأمر الذي يفتح الباب أمام صراع جديد على سوق الطاقة العالمية.
هذا الاحتمال قائم بقوة.. لكنهم أشاروا إلى أن الارتماء في أحضان موسكو وبكين سيضع إيران في موقع التابع أكثر من الشريك، ما يفقدها مساحة الحركة المستقلة.. وتستفيد روسيا والصين من ورقة إيران في مواجهة الغرب، لكنها لن تدخل في مواجهة مباشرة لحمايتها وهو ما يعني أن طهران قد تتحول إلى ورقة ضغط بيد الآخرين بدل أن تكون لاعبًا فاعلًا بذاته.
ستشهد المرحلة المقبلة تصاعداً في الضغوط لإضعاف إيران وتقليم نفوذها الإقليمي، مع استمرار محاولات الغرب منعها من امتلاك قدرات نووية عسكرية، وإن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو بقاء العلاقات في حالة توتر طويل الأمد، مع احتمال بلورة إطار تفاوضي جديد لا يمنح طهران الامتيازات السابقة نفسها، بل يفرض عليها شروطًا أكثر صرامة لضبط دورها الإقليمي وبرنامجها النووي.