أكد خبراء في العلاقات الدولية أن تداعيات تفعيل "آلية الزناد" على برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني، ستكون بالغة الخطورة، حيث أن العقوبات الأممية التي أعيد فرضها تشكل طوقًا خانقًا اقتصاديًا ولوجستيًا، يستهدف البنية التحتية الداعمة للبرنامج النووي والصاروخي لطهران، بما ينعكس على تباطؤ وتيرة التخصيب والحد من تطور أجهزة الطرد المركزي.
وجاء تفعيل العقوبات بعد انتهاء المهلة التي منحتها فرنسا وبريطانيا وألمانيا لإيران، أواخر أغسطس الماضي، بموجب ما يُعرف بـ"آلية الزناد"، وذلك بسبب عدم وفاء طهران بالتزاماتها في إطار الاتفاق النووي لعام 2015.
ودخلت العقوبات حيز التنفيذ تلقائيًا، مساء السبت الماضي (بتوقيت نيويورك)، بعد فشل روسيا والصين في تمديد المهلة داخل مجلس الأمن الدولي؛ ما أدى إلى عودة حظر الأسلحة وتدابير اقتصادية مشددة بعد مرور عقد من الزمن على رفعها.
ويرى الباحث في العلاقات الدولية، الدكتور محمد بايرام، أن العقوبات الجديدة تؤدي إلى صعوبة أكبر في وصول المعدات والمواد الأولية، إلى جانب عرقلة استقدام الخبرات الأجنبية الضرورية لتطوير أجهزة الطرد المركزي ورفع كفاءة التخصيب.
وأشار في تصريحات لـ"إرم نيوز" إلى أن إيران تعتمد على مزيج من القدرات المحلية والدعم غير المباشر من خلال السوق السوداء والشركات الوسيطة، للحصول على قطع الغيار والتكنولوجيا النووية الحساسة، وهي آليات ستُستهدف مباشرة بفعل عودة العقوبات.
وأكد بايرام أن تفعيل آلية الزناد سيؤدي إلى زيادة تكلفة وتعقيد عمليات التخصيب؛ ما يُبطئ المشاريع التقنية أو يحد من توسعها، مشيرًا إلى أن الأثر ليس فقط عمليًا وإنما أيضًا نفسي وسياسي، إذ تمثل العقوبات رسالة ردع واضحة مفادها أن رفع مستويات التخصيب إلى ما يتجاوز نسبة 3.67%، المنصوص عليها في اتفاق 2015، سيُقابل بضغوط متصاعدة.
وتابع: "إيران بلغت اليوم مستوى تخصيب يتجاوز 60%، وإذا استمرت بهذا النهج، فستُدفع نحو طاولة المفاوضات ولكن بشروط أقل راحة لها".
ولفت بايرام إلى أن إيران قد تلجأ إلى توسيع التخصيب كوسيلة ضغط مضاد، كما فعلت في فترات سابقة، لكنها ستواجه عقبات حقيقية تتمثل في قلة المواد، وصعوبة التمويل، وتراجع قدرة الشركات الوسيطة على التعاون معها، بسبب مخاوف من الملاحقة الدولية.
وأضاف أن التأثير سيكون مزدوجًا: إبطاء عملي لوتيرة التخصيب، وتصعيد سياسي قد يقود إلى ما وصفه بـ"سباق عض الأصابع" بين طهران والقوى الغربية.
وتوقّع بايرام أن تقدم روسيا والصين دعمًا لإيران على المستويين السياسي والدبلوماسي، معتبرتين أن تفعيل "آلية الزناد" غير قانوني، خصوصًا في ظل عدم التزام الجانب الأوروبي بكامل تعهداته منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018.
وأشار إلى أن موسكو ستستغل موقعها في مجلس الأمن لعرقلة أو تخفيف تنفيذ العقوبات، بينما ستتولى بكين توفير غطاء دبلوماسي لطهران، مع التركيز على حق إيران في الاستخدام السلمي للطاقة النووية.
من جانبه، قال الباحث في مركز ستاندرد للدراسات، الدكتور فرهاد دزه يي، إن تفعيل آلية الزناد سيكون له انعكاسات متعددة على البرنامج النووي الإيراني، خصوصًا عبر فرض عقوبات تطال الشركات التي تنقل أسلحة أو مكونات صواريخ باليستية، أو تقدم معدات ذات صلة ببرنامج التخصيب.
وأوضح دزه يي أن العقوبات ستُصعّب على إيران تطوير أجهزة الطرد المركزي اللازمة لتخصيب اليورانيوم بدرجات نقاء عالية.
لكن في المقابل، لفت إلى أن الدعم غير العلني من الصين وروسيا سيستمر، من خلال توفير التكنولوجيا والمعدات بشكل غير مباشر، مشيرًا إلى تفعيل عقود قائمة بين موسكو وطهران لتوليد الطاقة الكهربائية من مفاعل بوشهر بقوة 1200 ميغاوات.
وحذر دزه يي من أن المنطقة باتت على صفيح ساخن، مرجّحًا عودة الخيار العسكري إلى الواجهة، خاصة أن الولايات المتحدة لن تقبل بمستويات التخصيب الحالية التي وصلت إليها إيران، لما تمثّله من خطر استراتيجي على أمن إسرائيل والمنطقة بأكملها.
وفي ما يتعلق بالموقف الأوروبي، أشار إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لم يُغلق باب التفاوض مع طهران، لكنه يشترط ضمانات واضحة، وهو ما ترفضه إيران، معتبرة أن الخضوع الكامل للغرب يعني انهيار النظام، مستشهدًا بما حدث في نهاية الحرب الإيرانية - العراقية العام 1988، حين أعلن المرشد الأسبق روح الله الخميني أنه "تجرّع السم" عند قبوله وقف الحرب؛ ما فجّر احتجاجات داخلية حادة.
وأضاف دزه يي أن تلك المرحلة شهدت إعدامات جماعية طالت نحو 80 ألف شخص خلال عامين، كان الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي من أبرز المسؤولين عنها آنذاك.
واختتم دزه يي حديثه بالإشارة إلى أن إيران عالقة بين خيارين أحلاهما مرّ: فإما القبول بالالتزامات الدولية ما قد يؤدي إلى تفكك النظام من الداخل، أو مواصلة الرفض والتصعيد؛ ما سيُعرّضها لضربة قوية في ظل تصاعد أصوات الحرب، والضغط الغربي لوقف مسارها النووي والصاروخي.