ذكرت مجلة "بوليتيكو" الأمريكية في تقرير تناول جهود الاتحاد الأوروبي لتحقيق الاستدامة وتعزيز صناعة السيارات الكهربائية أن منجمًا ضخمًا لليثيوم في صربيا تحوّل إلى بؤرة توتر سياسي وبيئي، ما يُنذر بتفاقم الخلافات بين بلغراد وبروكسل.
ويقول التقرير إن بروكسل راهنت على احتياطيات الليثيوم الهائلة في صربيا كجزء من خطتها الاستراتيجية لفك الاعتماد عن الصين في تأمين المواد الخام، غير أن خططها لم تنجح، إذ فجّر مشروع "يادار" التابع لشركة "ريو تينتو" العملاقة موجة احتجاجات شعبية، وأعاد إشعال الجدل حول الفساد السياسي والمخاوف البيئية.
ويرى الخبراء أن المنجم قادر على إنتاج ما يكفي لتشغيل مليون مركبة كهربائية، بما يغطي ربع احتياجات أوروبا من الليثيوم، ورغم ذلك، يجد المشروع مقاومة شرسة من السكان المحليين، الذين عبّروا عن مخاوف من تداعيات بيئية جسيمة واتهموا حكومتهم بالتواطؤ مع المصالح الأجنبية.
والمفارقة بحسب التقرير أن هذا المشروع الحيوي لم يُدرج ضمن قائمة المفوضية الأوروبية لمشاريع المواد الخام الاستراتيجية التي أُعلن عنها في 25 مارس/آذار.
وتؤكد المفوضية الأوروبية أن شراكتها مع صربيا في مجال المواد الخام باقية، غير أن مراقبين أشاروا إلى أن دعم "يادار" قد يُفسر على أنه تنازل عن المبادئ الأوروبية لمصلحة المصالح الاقتصادية.
ولا يقتصر الجدل على المخاوف البيئية، إذ أسهم مشروع "ريو تينتو" في إشعال الشارع الصربي، الذي يعيش موجة احتجاجات مناهضة للحكومة منذ أشهر.
وزاد التوتر بعد بث فيلم وثائقي مثير للجدل يصف معارضي المشروع بأنهم "عملاء لروسيا"، وهي تهمة تم ترويجها لاحقًا في صحف غربية، فيما وصفهم آخرون بأنهم يعملون لصالح الاتحاد الأوروبي أو الصين.
وسخر الناشط ألكسندر ماتكوفيتش -أحد منظمي الاحتجاجات- من هذه الأحاديث قائلا : "لا يمكن أن نكون عملاء لثلاث قوى كبرى في الوقت نفسه!".
يأتي ذلك في وقت عقد فيه الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش لقاءً في بروكسل مع رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين ورئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، واستمع إلى مخاوف من تدهور الحريات الديمقراطية في صربيا، ودعوات لإصلاحات جدية في الإعلام ومكافحة الفساد والنظام الانتخابي.
وكتبت أورسولا فون دير لاين على وسائل التواصل الاجتماعي عقب اللقاء: "يتعين على صربيا إنجاز إصلاحات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، مع التركيز بشكل خاص على تعزيز حرية الإعلام، ومكافحة الفساد، وإصلاح النظام الانتخابي بشكل حاسم".
ونقلت الصحيفة الأمريكية عن خبراء تحذيرهم من أن دعم بروكسل للمشروع دون الأخذ باعتبارات البيئة والشفافية قد يُعمّق الانقسامات السياسية في المنطقة، في الوقت الذي تنتظر فيه صربيا قرارًا أوروبيًا حاسمًا بشأن إدراج "يادار" في القائمة التالية للمشاريع الاستراتيجية.
وترى النائبة الأوروبية هيلديغارد بينتيلي أن المشروع "ضروري لصربيا وللاتحاد الأوروبي ولقطاع السيارات بأكمله".
لكن هذه الرؤية لا تلقى قبولًا في الداخل الصربي، إذ يراه كثيرون رمزًا لانحياز الاتحاد الأوروبي إلى الشركات الكبرى على حساب المواطنين والبيئة، طبقا للتقرير.