في الوقت الذي تمر فيه صربيا بواحدة من أطول موجات الحراك الطلابي في تاريخها الحديث، قالت صحيفة "لوموند" الفرنسية إن الرئيس ألكسندر فوتشيتش يسير في طريق تعزيز سيطرته على مؤسسات الدولة، متجاهلًا مطالب المتظاهرين الذين نزلوا إلى الشارع منذ ما يزيد عن خمسة أشهر.
وذكرت الصحيفة أن البرلمان الصربي بدأ في 15 أبريل (نيسان) دراسة تشكيل حكومة جديدة برئاسة دورو ماكوت، طبيب مختص في أمراض الغدد يبلغ من العمر 61 عامًا، لا يمتلك أي خلفية سياسية.
ورغم افتقاره للتجربة، إلا أن ولاءه العلني للرئيس، عبر مشاركته الدائمة في الفعاليات المؤيدة لفوتشيتش، جعله الخيار المفضل لقيادة الحكومة، وفق الصحيفة.
ودافع ماكوت عن توجهات السلطة الجديدة، واعتبر أن "صربيا لم تعد تحتمل الفوضى"، موجّهًا اتهامات للطلاب بأنهم يعطّلون الحياة العامة ويقيّدون حرية المواطنين.
وضم التشكيل الوزاري اسمًا جدليًا آخر، بحسب الصحيفة، هو ديان فوك ستانوفيتش، الذي عُين وزيرًا للتعليم، رغم أنه معروف بمواقفه الإعلامية المناهضة للاحتجاجات، والتي بدأت عقب حادث انهيار محطة قطارات في نوفيساد مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، وراح ضحيته 16 شخصًا، ما فجر الاحتجاجات الشعبية وفضح أوجه الفساد وسوء الإدارة.
وعلى الرغم من خطابه المعلن بشأن التوجه نحو الاتحاد الأوروبي، تقول "لوموند" إن فوتشيتش يستمر في اعتماد نهج يُناقض تمامًا هذا التوجه، مع وقف إصلاحات أساسية، والإبقاء على روابطه الوثيقة مع روسيا.
ومن الدلائل التي يتناولها التقرير على هذا النهج، استبعاد ألكسندر فولين، المعروف بميوله الموالية لموسكو، وإحلال شخصية أكثر إثارة للجدل، هو بوريس براتينا، الذي سبق له أن أحرق علم الاتحاد الأوروبي علنًا عام 2009، وتولى الآن حقيبة الإعلام.
وبرغم الأغلبية المريحة التي يحظى بها فوتشيتش في البرلمان، فشل في تهدئة الشارع أو إقناع خصومه السياسيين، بحسب التقرير.
في الشارع، تشير تصريحات يلينا فوكسانوفيتش، الممثلة الطلابية عن كلية الفلسفة في نوفيساد، إلى استمرار الاحتجاجات، إذ قالت: "لا نرى في هذه التغييرات سوى إعادة تدوير لوجوه جديدة تخدم النهج نفسه، ولن نتراجع حتى نحقق إصلاحًا حقيقيًا".
وتشهد العاصمة والمدن الكبرى تحركات واسعة، أبرزها محاصرة مئات الطلاب لمقر الإذاعة والتلفزيون الرسمي، مطالبين بتغطية إعلامية عادلة.
ووسط ذلك، أكدت منظمة "CRTA" الحقوقية أن الاعتقالات طالت طلابًا ومثقفين، بالتوازي مع تصعيد الحملات ضد الصحفيين والقضاة المستقلين، في وقت أعلن فيه فوتشيتش عزمه ملاحقة المدعين العامين الذين رفضوا فتح ملفات ضد صحفيين يدعمون الحراك الطلابي.
وبدأت تظهر بوادر انقسام داخل الحركة الاحتجاجية، بين من يدعو إلى تشكيل حكومة خبراء ومن يصر على أن الحل الجذري لا يكون إلا بإسقاط السلطة الحالية بالكامل.
وتطرق التقرير إلى استضافة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لنظيره الصربي في أبريل الجاري، دون أن يصدر عنه أي موقف علني تجاه ما يجري، رغم دعوات أوروبية لاحترام مبادئ الديمقراطية وسيادة القانون التي يُفترض أن الاتحاد يدافع عنها.