تفاعل الاقتصاد الإيراني بسرعة مع الأخبار المتداولة حول تفعيل "آلية الزناد"، التي تعيد فرض العقوبات الدولية على البلاد، وسط توقعات بأن يترك هذا القرار آثاراً سلبية على القطاعات جميعها.
ويقدر خبراء أن العودة إلى هذه المرحلة تمثل خطوة نحو عزلة اقتصادية وسياسية أشد مقارنة بما قبل اتفاق 2015، فيما يمكن أن تمارس الضغوط الدولية بصورة أوسع وأكثر تنسيقاً، وفقاً لصحيفة "إندبندنت".
إيران، التي عانت طويلاً من العقوبات السابقة، بدأت تشهد أولى التداعيات الملموسة على اقتصادها، أبرزها تراجع قيمة العملة المحلية.
ومع ذلك، بعيداً عن حسابات القوة والمناورات الدبلوماسية، فإن العبء الأكبر من التداعيات سيتحمله المواطنون الإيرانيون، الذين يعانون منذ سنوات من سياسات النظام المتوترة والمغامرات الأيديولوجية في المنطقة والعالم.
وأمس الخميس، قبل ساعات قليلة من الإعلان الرسمي لتفعيل "آلية الزناد"، وبينما كانت الأخبار لا تزال مجرد إشاعات وتكهنات، شهدت الأسواق الإيرانية تحركات سريعة وفجائية، إذ ارتفعت أسعار الذهب والعملات بشكل ملحوظ.
من الناحية الاقتصادية، فإن الصدمة الناتجة من إعادة العقوبات ستؤدي إلى انخفاض أكبر في قيمة العملة، وارتفاع معدلات التضخم والبطالة والفقر، وهو أثر بدأ يلمسه الإيرانيون بالفعل في الأيام الأخيرة.
وأفادت وسائل الإعلام المحلية بأن سعر الغرام الواحد من الذهب عيار 18 وصل إلى 8 ملايين و427 ألف تومان (200 دولار)، وهو رقم قياسي تاريخي، فيما بلغ سعر الدولار، الأربعاء، نحو 101 ألف تومان (2.4 دولار)، واستمر في الارتفاع، اليوم الجمعة، على رغم عطلة السوق الرسمية، مقترباً من 102 ألف تومان (2.43 دولار).
وفي سياق التحليلات الاقتصادية، حذر مكتب الشؤون الدولية لغرفة تجارة إيران، في تقرير حديث، من أن أكثر السيناريوهات إثارة للقلق جراء تفعيل "آلية الزناد" تكمن في دخول الاقتصاد الإيراني أزمة عميقة ومتعددة الأبعاد.
ووفق هذا التقييم، قد يصل سعر الدولار إلى نحو 165 ألف تومان، ويتجاوز معدل التضخم 90%، فيما يرتفع معدل البطالة إلى 14%، وينخفض النمو الاقتصادي إلى (-3%)، ما يشير إلى ركود أشد من الأعوام السابقة، بينما قد تنخفض القيمة الإجمالية لسوق الأسهم إلى نحو 65 مليار دولار.
وكل تلك الأرقام تجعل المجتمع الإيراني يواجه ضغوطًا متزايدة نتيجة الأزمات الدولية وسوء الإدارة الداخلية والتحديات الاقتصادية المستمرة.
وحتى بعض المقربين من السلطة يعترفون بالواقع الصعب، مثل إبراهيم أصغر زاده، عضو ما يُعرف بجبهة الإصلاح، الذي وصف وضع دخل الإيرانيين بأنه "كارثة".
وأشار إلى أن 48% من الإيرانيين تتجاوز مصروفاتهم دخولهم الشهرية، فيما ينفق 42% منهم كل ما يكسبونه، ما يعني أن نحو 90% من الشعب يعيشون في ظروف حرجة، بينما يستطيع 10% فقط الادخار.
هؤلاء المواطنون لم يختاروا البرنامج النووي ولا تطوير الصواريخ ولا تعزيز الفصائل المسلحة، ومع ذلك يتحملون صعوبات كبيرة لمجرد السعي لعيش حياة عادية.
وعلى الرغم من محاولات وسائل الإعلام الرسمية تصوير هذه التقديرات على أنها "غير واقعية" أو فاقدة للمصداقية، فإن صدور هذه التقارير يعكس قلق الخبراء والناشطين الاقتصاديين من عمق التداعيات المحتملة.
وحتى في حال التشكيك في صحة هذه التقديرات، تبقى الحقيقة واضحة: إذا ما تم تفعيل آلية الزناد، فإن الاقتصاد الإيراني سيواجه طيفاً واسعاً من التداعيات المدمرة، ليس فقط على المؤشرات الاقتصادية الكبرى، بل أيضاً على حياة المواطنين اليومية، حيث بدأت آثارها تظهر بالفعل في الحياة الفردية والاجتماعية للإيرانيين.
وفي الوقت الحالي، يتابع الإيرانيون من الأعمار جميعها أخبار التطورات الدولية المتعلقة ببلادهم، وسط شعور متزايد بالقلق تجاه تأثيرات الأزمات المقبلة على معيشتهم اليومية.
ويعبر بعض المواطنين عن إحباطهم الشديد بالقول إن "فوق السواد لا لون هناك"، في إشارة إلى الضغوط المستمرة التي تواجههم والتحديات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة.