في محاولة لإعادة صناعة بناء السفن الأمريكية إلى سابق عهدها، تتطلع إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى تحقيق نهضة صناعية مرتبطة بأمن الولايات المتحدة القومي، وسط تحديات تقنية وإستراتيجية كبيرة.
رغم أن الصناعة لم تشهد طفرة حقيقية منذ الحرب العالمية الثانية، فإن الشركات الأجنبية، وخصوصًا الكورية الجنوبية والإيطالية والفنلندية، أصبحت شريكًا أساسيًّا في مسعى إعادة تأهيل هذه الصناعة الحيوية، بحسب شبكة "سي إن بي سي".
تعاني الولايات المتحدة منذ عقود من تأخر واضح في بناء السفن، إذ تمثل الصين اليوم نحو 75% من طلبات بناء السفن الجديدة عالميًّا، مقابل 0.2% للولايات المتحدة، وفق بيانات عام 2025.
في المقابل، تمتلك الصين أكثر من 300 حوض بناء سفن، بينما تقتصر الولايات المتحدة على ثمانية فقط، كما أن قدرات الصين على الإنتاج التجاري تفوق قدرات الولايات المتحدة بمقدار 232 مرة.
هذا التخلف يجعل أي محاولة لإعادة الصناعة إلى مجدها السابق مهمة شاقة، تتطلب ليس فقط استثمارات ضخمة، بل أيضًا نقل خبرات خارجية لمواجهة نقص البنية التحتية والكوادر المؤهلة.
كما أن الخبراء يحذرون من أن تطوير الصناعة المحلية دون شراكات إستراتيجية سيكون شبه مستحيل.
وقّع ترامب أمرًا تنفيذيًّا في أبريل لدعم صناعة بناء السفن، ضمن أجندة سياسية تهدف إلى تعزيز القدرة التصنيعية والأمنية الأمريكية.
وقد ركزت المبادرة على بناء ناقلات الغاز الطبيعي المسال، وكاسحات الجليد القطبية، وسفن البحرية، وهو ما يتطلب خبرات متقدمة تفتقر لها الصناعة المحلية.
في هذا السياق، لعبت شركة هانوا الكورية الجنوبية دورًا محوريًّا، من خلال استحواذها على حوض "فيلي شيب يارد" في فيلادلفيا، وتطويره ليصبح "هانوا فيلي شيب يارد"، مع خطط لاستثمار 5 مليارات دولار لتوسيع القدرة الإنتاجية من 1-1.5 سفينة سنويًّا إلى نحو 20 سفينة مستقبلًا.
كما يشمل النموذج التدريبي إرسال العمال الأمريكيين للتدريب في مصانع الشركة بكوريا الجنوبية لضمان نقل المهارات.
إضافة إلى ذلك، تشارك شركات فنلندية وإيطالية، مثل فينكانتيري مارينيت مارين، في مشاريع تصنيع السفن، بما في ذلك فرقاطات وسفن تجارية، بهدف تعزيز البنية التحتية وتدريب القوى العاملة الأمريكية، في خطوة تهدف إلى سد الفجوة التكنولوجية والقدراتية للصناعة المحلية.
تتصاعد أهمية صناعة السفن الأمريكية أيضًا في سياق القطب الشمالي، حيث تمتلك روسيا أكبر أسطول قطبي بـ57 كاسحة جليد، مقابل ثلاث كاسحات فقط للولايات المتحدة؛ ما يثير المخاوف الإستراتيجية من تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة.
في إطار تعزيز القدرة الدفاعية، وقّعت الولايات المتحدة وفنلندا مذكرة تفاهم بقيمة 6.1 مليار دولار لبناء 11 كاسحة جليد جديدة، وتعمل أيضًا على مشروع الغواصات النووية بالتعاون مع هانوا، لتعزيز الصمود العسكري والقدرة على التصنيع المحلي في أوقات الحرب.
يبقى التحدي الأكبر أمام النهضة الأمريكية في صناعة بناء السفن هو نقص القوى العاملة المؤهلة والبنية التحتية الحديثة، إضافة إلى ضرورة الاستفادة من الخبرات الأجنبية لنقل التكنولوجيا والمهارات.
ومع تزايد الطلب على ناقلات الغاز الطبيعي المسال والسفن التجارية، يشكل هذا القطاع ركيزة أساسية للأمن القومي الأمريكي، ويعد اختبارًا حقيقيًّا لقدرة البلاد على استعادة صناعتها الإستراتيجية والحفاظ على مكانتها في الساحة العالمية.