logo
العالم العربي

وسط معركة تشكيل الحكومة.. "قائمة الإرهاب" تكشف خفايا "صراع النفوذ" في العراق

مؤيدون لحزب الله في العراقالمصدر: أ ف ب

في وقت حساس يشهد فيه العراق معركة تشكيل الحكومة الجديدة، حيث تتبلور التحالفات وتتغير ملامح القوة على الساحة، وُجهت أصابع الاتهام لأطراف سياسية وظفت قرار تجميد أصول ميليشيا حزب الله والحوثيين ضد الدولة في محاولة لإعادة خلط الأوراق، وتأجيج الشارع. 

أخبار ذات علاقة

العلم العراقي

عاصفة سياسية في العراق.. "قائمة الإرهاب" تنذر بتفجر صراعات "البيت الشيعي"

ورغم أن بغداد تراجعت عن القرار، فإن القضية فتحت باب الشكوك على مصراعيه ضد خصوم سياسيين بتهمة تنفيذ لعبة داخلية متعمدة لقلب الكفة لصالح أطراف تتنازع على كرسي رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.

خطأ مقصود لجس النبض

وعلى النقيض، ترى بعض التحليلات أن الخطأ كان "سياسياً" ومقصوداً، في سياق بغداد لاختبار ردود الفعل الدولية والإقليمية وجس نبض الشارع.

ونشرت جريدة "الوقائع العراقية" (الرسمية) قراراً من "لجنة تجميد أموال الإرهابيين"، (رقم 61 لعام 2025، تاريخ 17 نوفمبر)، يتضمن إدراج حزب الله اللبناني والحوثيين، ضمن 24 كياناً إرهابياً، مع تجميد أي أموال أو أصول مرتبطة بهما داخل العراق.

وفيما تنتظر الأوساط السياسية تصحيح النشر قريباً، مع حذف الأسماء، لتجنب عقوبات دولية أو توترات إقليمية، يستمر هذا الجدل المتفجر ليعكس هشاشة التوازن السياسي في العراق الواقع بين الضغوط الأمريكية والنفوذ الإيراني.

كان القرار بناءً على طلب ماليزي واستناداً إلى قرار مجلس الأمن الدولي 1373 (2001)، لكن ادعاء أنه اعتمد "دون تنقيح"، أثار جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والشعبية العراقية، خاصة بين أنصار ما يسمى بـ "محور المقاومة"، الذين اعتبروه "استجابة لضغوط أمريكية" أو "خيانة". 

أخبار ذات علاقة

العلم العراقي

الرئاسة العراقية: علمنا بقرار تجميد أموال "الحوثيين وحزب الله" من وسائل التواصل

وانتشرت الاتهامات على وسائل التواصل الاجتماعي، مع هجوم من ناشطين وسياسيين على القرار، الذي وصفه بعضهم بـ"الفضيحة".

وسرعان ما تراجعت حكومة بغداد فأصدرت "لجنة تجميد أموال الإرهابيين" بياناً يؤكد أن الإدراج تخلله "خطأ في النشر" سيتم تصحيحه، وأرسل محافظ البنك المركزي علي محسن العلاق كتاباً عاجلاً يطالب بحذف الفقرات، رغم أنها خرجت عن مؤسسته جهة الاختصاص أصلاً.

اللجنة المتسببة بالأزمة

"لجنة تجميد أموال وأصول الجماعات الإرهابية" هي هيئة رسمية حكومية، تابعة للأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي، وتعمل تحت إشراف مكتب "مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب"، في البنك المركزي العراقي.

وتشمل اللجنة ممثلين عن عدة جهات حكومية، مثل وزارات المالية، والداخلية، والخارجية، والعدل، والتجارة، والاتصالات، بالإضافة إلى هيئة النزاهة، وجهاز مكافحة الإرهاب، والجهات الأمنية والاستخبارية والقضائية.

أما قراراتها، فهي بطبيعة الحال ملزمة، خاصة بعد نشرها في الجريدة الرسمية "الوقائع العراقية".

ويظهر جلياً الغرض الأول والأساسي من إنشاء العراق لهذه اللجنة وهو تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي (مثل القرار 1373 لعام 2001) بشأن تجميد الأصول المتعلقة بالإرهاب، بناءً على طلبات دولية (مثل طلب ماليزيا في الحادثة الأخيرة). 

أخبار ذات علاقة

البنك المركزي العراقي

"سقطت سهوا".. السلطات العراقية تتنصل من تجميد أموال حزب الله والحوثيين

وأُنشئت هذه اللجنة استجابة لضغوط دولية، خاصة من أمريكا، لمكافحة تمويل الإرهاب، مع التركيز تاريخيًا على تنظيمي داعش والقاعدة.

غموض وأسئلة ملحة

وفي ثنايا هذه التفاصيل، حيث تحوم جملة من الأسئلة المكفولة، وتبقى دون إجابة واضحة أو شفافة، تتفجر على السطح أسئلة أكثر إلحاحاً ونظريات تزيد من غرابة المشهد أو تناقضاته.

ويتمثل هذا الجدل الجديد والمشتعل على السطح في شخصية علي محسن العلاق، محافظ البنك المركزي العراقي، الذي يرأس أيضاً "اللجنة الوطنية لتجميد الأموال والأصول الإرهابية"، بصفته رئيس "مجلس مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب"، الذي يشرف بدوره مباشرة على عمل اللجنة.

"رمانة الميزان" المفقودة

ودور العلاق في اللجنة التي أحدثت أزمة واسعة، مستمد من منصبه في البنك المركزي، تنفيذاً لجهود العراق في الامتثال للمعايير الدولية في مكافحة الإرهاب المالي، لكن مراقبين أكدوا أن هذا المأزق كشف بوضوح أن "رمانة الميزان" التي تضبط أسس وقواعد وضع الكيانات والجماعات المتطرفة في مكانها الطبيعي تحت قوائم الإرهاب، مفقودة في العراق.

والبنك المركزي في العراق هو الجهة الرئيسية للتنسيق في مثل هذه القضايا المالية والأمنية، واللاعب الأول ومشعل الشرارة بقضية أموال حزب الله والحوثيين التي لم تتوقف تداعياتها بعد.

قوائم معتمدة دولياً 

وهنا، يشير الخبير الأمني والاستراتيجي العميد السابق في جهاز الاستخبارات العراقي، مخلد حازم، إلى أن إدراج حزب الله والحوثيين ضمن قائمة تجميد الأموال، مصدره في الأصل مجلس الأمن، ولم يبتدعه العراق.

وأضاف حازم في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن قوائم الإرهاب المعتمدة أممياً تنشر وتوزع على دول العالم، لتطبيق ما يصدر عن مجلس الأمن من عقوبات بحق الأشخاص والكيانات.

وتابع الخبير السياسي أن "لجنة تجميد أموال الإرهابيين" شُكلت في 2015 وهي لجنة مستقلة تتبع للبنك المركزي العراقي.

وأكد أن هذه اللجنة تعمل بمعزل عن الحكومة ولديها سلطة مستقلة وارتباطها بالبنك المركزي العراقي فقط.

وأوضح حازم أنه عندما تصدر اللوائح من مجلس الأمن، تُرسل بعدها إلى البنك المركزي لتبحثها اللجان المستقلة بخصوص إضافة أي كيان أو جماعة على قوائم الإرهاب.

قرارات مستقلة 

وحول الجدل الذي أحدثته اللجنة المستقلة العراقية، أكد حازم أن الموضوع لا يزال يكتنفه الغموض، قائلاً "بما أن هناك لائحة صدرت عن مجلس الأمن تشمل أسماء ميليشيا حزب الله اللبناني والحوثيين، فهذا يعني أن العراق تعامل بشكل كامل مع حزمة العقوبات الدولية من الناحية الفنية، واتخذ الإجراء اللازم بحق الأسماء التي وضعت في القائمة".

أما بشأن موقف الحكومة من هذه القضية، فأوضح الخبير العراقي مخلد حازم أن بغداد لم تتخذ أي إجراء ضد حزب الله أو الحوثيين، مشيراً إلى أن القرار صدر عن اللجنة بشكل مستقل بناء على لائحة مجلس الأمن الرسمية.

مباحثات مسبقة وموافقة بالإجماع 

وأردف حازم: "هناك صراع سياسي اشتعل في العراق مع بدء تشكيل الحكومة، يراد منه إسقاط السوداني للظفر برئاسة مجلس الوزراء".

وتابع أن هناك جهات سربت ما توصلت إليه اللجنة العراقية بخصوص قائمة الكيانات المدرجة بعد أن توصلت لقرار يؤيد هذا الإدراج بالإجماع قبل قرابة 4 أشهر.

وأضاف حازم أنه بعد الإجماع على القرار تأخذ القائمة المدرجة مسارها القانوني والإداري ليتم نشرها في صحيفة "الوقائع" الرسمية.

تصفية حسابات 

وعبّر حازم عن استغرابه من مسألة ترويج القائمة يوم أمس الخميس، رغم أنها نشرت في الصحيفة الرسمية بتاريخ 17 نوفمبر تشرين الثاني الماضي، متسائلاً عن هوية الأشخاص المجهولين أو المؤسسات التي قد تستفيد من هذه الأزمة.

ويرى الخبير العراقي أن هناك أطرافاً تريد إعادة توجيه البوصلة نحو رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، وسط معركة تشكيل الحكومة.

انقلاب الكتل الشيعية

ويضيف حازم هنا أن السوداني رغم خروجه من رحم كتل سياسية شيعية، إلا أن تلك الأحزاب غالباً ما تنقلب على الشخص لأسباب كثيرة.

ويرى حازم أن الضغط الآن يتجه ضد الحكومة بعد أزمة قائمة الإرهاب، رغم أن المسؤول عنها هو البنك المركزي.

ويتوقع الخبير السياسي العراقي أن يكون للموضوع ارتدادات سلبية ضد العراق في الخارج، بوصفه بلداً لا تزال أجندات "محور المقاومة" والأطراف الخارجية تتحكم فيه.

إسقاط سياسي وارتدادات سلبية

من جهته، يؤكد الخبير السياسي إياد العنبر، أن هذه الأزمة عبارة عن إسقاط سياسي وانعكاس للخصومة بين الفرقاء مع بدء تشكيل الحكومة وترشيح رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لولاية ثانية.

ويوضح العنبر في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن أصل القضية المتصاعدة في العراق تقني بحت وإجراء قانوني صحيح 100% يتعلق باعتماد التصنيف الرسمي للعقوبات الدولية ضد الكيانات الإرهابية.

وتابع: "كل ما قام به البنك المركزي في العراق هو إدراج هذه الأسماء والكيانات ضمن القائمة التي لا دخل لأي مؤسسة عراقية ولا حتى الحكومة المركزية بها".

سوء إدارة من حكومة السوداني

في المقابل، يقول العنبر: "كان هناك سوء إدارة من قبل حكومة السوداني يتمثل بتبرير الإجراء على أنه خطأ"، الأمر الذي نتج عنه استثمار القضية بشكل واسع من قبل خصوم "الإطار التنسيقي" وأيضاً من خصوم السوداني داخل الحزب نفسه، وفق قوله. 

أخبار ذات علاقة

السوداني والمالكي

العراق.. صراع شرس بين السوداني والمالكي يشلّ "الإطار التنسيقي"

وأضاف الخبير السياسي العراقي أنه كان على الحكومة ألا تخرج ببيان أو تبريرات، وإنما يكتفي البنك المركزي بإصدار توضيحات لطبيعة هذه التصنيفات الصادرة عن قرارات دولية لا من العراق.

ارتباطات العلاق السياسية

كعضو بارز في "حزب الدعوة الإسلامي"، ورغم خلفيته السياسية المقربة من الإطار الشيعي، مما قد يعرضه أي قرار غير مدروس لانتقادات داخلية من الحزب ومن الائتلاف الحكومي، فإن موقف محافظ البنك المركزي علي العلاق قد يُقرأ في سياق التوازن بين الضغوط الدولية والولاءات الإقليمية.

أخبار ذات علاقة

ميليشيات عراقية

واشنطن "تضيق الخناق".. هل "تنجو" الحكومة العراقية الجديدة من نفوذ الميليشيات؟

ويعتبر العلاق من القيادات المؤثرة داخل "حزب الدعوة الإسلامي"، حيث تولى مناصب حكومية رفيعة تحت حكومات شيعية مثل حكومة نوري المالكي وحيدر العبادي.

لعبة داخلية وضغوط خارجية

وعلى الوجه الآخر، يفسر البعض إخراج البنك المركزي للقرار دون "التنقيح" الذي وعد البيان الرسمي بإتمامه، كنوع من استقلالية القرار، وحتمية اتباع التصنيفات والعقوبات المقررة دولياً ضد الجماعات المتورطة في دعم الإرهاب دون الخروج عن النسق والإجماع العام حولها.

ولكن، بعد أن عدل محافظ البنك المركزي عن القرار الذي أصدرته الجهة التي يرأسها، دخل علي العلاق في قلب دائرة الجدل، ليرجح مراقبون أنه وقع ضحية للعبة داخلية، فيما ذهب فريق آخر إلى أبعد من ذلك قائلاً إنه شارك فيها وينصاع الآن لضغوط المحور الإيراني.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC