مع اقتراب موعد تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، تُثار أسئلة حول إمكانية مشاركة الميليشيات المسلحة في السلطة التنفيذية، لا سيما في ظل الرسائل الأمريكية المتتالية التي تؤكد رفض واشنطن لأي دور حكومي لتلك الفصائل، محذرة من إسناد مناصب حساسة لشخصيات ترتبط بها.
وتدل الزيارات الأمريكية الأخيرة إلى بغداد، بدءًا من وصول نائب وزير الخارجية مايكل ريغاس، مرورًا بالمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توم باراك، وانتهاءً بالتحضير لزيارة المبعوث مارك سافايا، على رغبة واضحة لدى واشنطن في إعادة رسم شكل السلطة المقبلة، لا سيما فيما يتعلق بإقصاء الميليشيات المسلحة عن الوزارات السيادية والحساسة.
وتزامن ذلك مع تصريحات جديدة لوزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، أكد فيها أن الجانب الأمريكي أبلغ بغداد أكثر من مرة بعدم رغبته بالتعامل مع أي حكومة تضم شخصيات مرتبطة بالفصائل المسلحة.
ويأتي هذا الموقف رغم أن الفصائل تمتلك ما لا يقل عن 100 مقعد داخل مجلس النواب الجديد ضمن كتلة "الإطار التنسيقي".
وإذا كانت الحكومة الحالية قد ضمّت عددًا من قادة الميليشيات، بمن فيهم وزراء ووكلاء وزارات، مثل نعيم العبودي (عصائب أهل الحق)، وأحمد الأسدي (جند الإمام)، فإن تقديرات مراقبين تتجه إلى أن الحكومة المقبلة قد لا تملك الترف نفسه، في ظل ضغط دولي متصاعد ورغبة أمريكية معلنة بعدم رؤية أي ممثل للفصائل في وزارات ترتبط بملفات المال والاستثمار والطاقة والأمن.
وقالت الباحثة في الشأن السياسي، هبة فدعم، إن "الملف أعقد من أن يُدار بالقوة أو القرارات الصدامية، ولن تلجأ الولايات المتحدة إلى الإقصاء المباشر، بل ستعتمد نهج الاحتواء الناعم للحد من نفوذ الفصائل تدريجيًا داخل مؤسسات الدولة".
وأضافت فدعم لـ"إرم نيوز"، أن "تصريحات سافايا أكبر من حجم ما سيجري فعليًا على الأرض، وأن الخطوات الأمريكية المتوقعة ستكون أكثر هدوءًا ومرونة، ما يجعل خيار إبعاد الفصائل بالكامل أمرًا مشكوكًا فيه أمام نتائج الانتخابات التي منحتهم ثقلًا وازنًا في البرلمان".
وتستند تقديرات سياسية إلى أن الحكومة المقبلة لن تكون قادرة على تجاهل الشروط الدولية، خصوصًا مع اقتراب نهاية ولاية رئيس الوزراء الحالي، وما تشهده المنطقة من تحولات، بما فيها تراجع نفوذ بعض الأطراف الإقليمية، وتزايد الضغوط الاقتصادية على العراق.
وبين رغبة القوى الشيعية في المحافظة على تماسكها الداخلي، وتحذيرات واشنطن من مشاركة قادة الميليشيات في مواقع حساسة، يبدو أن صيغة الحكومة المقبلة ستكون محكومة بتوازنات دقيقة، كمنح الفصائل تمثيلًا سياسيًا بحكم نتائج الانتخابات، مقابل إبعادها عن الوزارات ذات العلاقة بالمال والأمن والطاقة والعلاقات الخارجية.
وفي ظل هذه المعادلة، تتجه أغلب التقديرات إلى أن مشاركة الفصائل في الحكومة المقبلة لن تكون بالشكل الذي عرفته الحكومات السابقة، وأن المرحلة المقبلة ستشهد إعادة تعريف لدور الفصائل داخل الدولة، بما يحفظ توازن القوى دون كسر أي طرف أو استفزازه، ويضمن في الوقت نفسه "قبولًا دوليًا" للحكومة الجديدة.
بدوره، يرى المحلل السياسي علي السامرائي، أن "القادم من الأيام قد لا يحمل الكثير من المؤشرات الإيجابية أمام الفريق الذي يستعد لقيادة الحكومة المقبلة"، مبينًا أن "التصريحات الأخيرة الصادرة عن الجانب الأمريكي تجاه تشكيلة هذه الحكومة، وما يُقال عن التحفظ على مشاركة بعض الأطراف رغم فوزها الواضح، توحي بأن تشكيل الحكومة وما سيليه قد لا يسيران وفق ما تتوقعه القوى السياسية".
وأضاف السامرائي لـ"إرم نيوز"، أن "الحكومة المقبلة قد تجد نفسها أمام خيارات محدودة، بين القبول بما يُفرض عليها من شروط، أو مواجهة ضغوط شديدة قد تصل إلى عقوبات اقتصادية وربما تهديدات أمنية"، مشيرًا إلى أن "عدم أخذ الجهة المكلفة بتشكيل الحكومة بالاعتبارات الدولية سيجعل فرص تحقيق أي تقدم ملموس شبه معدومة".