logo
العالم العربي

العراق.. "إعادة تعريف" القوى المسلحة تضع الحشد الشعبي أمام مصير مجهول

الحشد الشعبي في العراق

أثار التحرك الأخير لقادة الميليشيات العراقية نحو إعلان الاستعداد لتسليم السلاح وحصره بيد الدولة، جدلاً واسعاً بشأن مصير هيئة الحشد الشعبي، وحدود الفصل الممكنة بين الكيان الرسمي المنظم بقانون، والميليشيات التي حافظت لسنوات على ازدواجية الدور والانتماء، في لحظة سياسية توصف بأنها الأكثر حساسية منذ تأسيس الحشد عام 2016. 

أخبار ذات علاقة

مقاتلون تابعون لميليشيا "سيد الشهداء"

قبيل وصول سافايا لبغداد.. انقسام الفصائل حول السلاح يعصف بـ "الحشد الشعبي"

ويأتي هذا التحول في الخطاب والسلوك، بالتزامن مع تصاعد الضغوط الدولية، ولا سيما الأمريكية، على بغداد للإسراع في تشكيل الحكومة المقبلة وفق معادلة مختلفة، تقصي السلاح عن السياسة، وتعيد تعريف العلاقة بين الدولة والقوى المسلحة.

ومن الناحية القانونية، يعد الحشد الشعبي هيئة رسمية تأسست بموجب قانون نافذ صوت عليه مجلس النواب عام 2016، وترتبط بالقائد العام للقوات المسلحة "نظرياً"، وتدرج ضمن المنظومة الأمنية للدولة، بتمويل حكومي يبلغ سنوياً 3 مليارات دولار.

في المقابل، تمثل الفصائل المسلحة كيانات عقائدية وسياسية تأسس بعضها قبل الحشد، واحتفظت بقياداتها ومرجعياتها، غير أنها تضخمت بشكل كبير، وتوسعت، بعد دمجها شكلياً ضمن هيئة الحشد، ما أبقى حالة التداخل قائمة بين العمل الرسمي والعمل ضمن الميليشيات.

وهذا التداخل ظهر مراراً في مفاصل حساسة، أبرزها الانخراط في صراعات إقليمية، واستهداف مصالح أجنبية، والتعامل مع السلاح بوصفه أداة ضغط سياسي، وهو ما أضعف سردية الفصل بين "الحشد الرسمي" و"المقاومة"، خاصة أن أغلب قيادات الحشد فعلياً، لديهم صلات واضحة بإيران، وتاريخ من العمل فيها.

تنظيم الحشد

في هذا السياق، قال الكاتب أحمد الخضر لـ"إرم نيوز"، إن "الحشد الشعبي معرف حالياً بموجب قانون نافذ صوت عليه مجلس النواب، وأي تعديل على قانونه يحتاج إلى مشاورات متعددة بين زعماء الكتل السياسية"، مشيراً إلى أن "رئيس الوزراء المقبل سيعمل على تنظيم الحشد عبر إعادة هيكلته وتحديد مهامه الأمنية والعسكرية بشكل أدق، وبما يُبعده عن أجندات بعض القوى التي حاولت توظيفه سياسياً". 

أخبار ذات علاقة

مواطنون عراقيون يحملون صور مرشحيهم

الحشد الشعبي في قلب المعادلة الانتخابية..نفوذ إيران يطل من بوابة "التصويت الخاص"

وأضاف الخضر أن "تنظيم الحشد لا يعني استهدافه، بل إعادة ضبط دوره ضمن إطار الدولة، بما ينسجم مع الدستور، ويحفظ تضحيات منتسبيه، ويمنع استخدامه خارج سياقه الرسمي".

غير أن واشنطن – وفق مراقبين – لا تفرق بين هيئة الحشد الشعبي والميليشيات المسلحة، ولا تتعامل معهما بوصفهما كيانين منفصلين، خاصة أن غالبية قادة الميليشيات يمتلكون ألوية وتشكيلات فاعلة داخل الحشد، وتخضع هذه الألوية لأوامرهم المباشرة، إلى جانب احتفاظهم في الوقت نفسه بفصائل مسلحة تعمل خارج الإطار الرسمي للحشد بشكل عملي.

وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن منع الولايات المتحدة للبرلمان العراقي من المضي بتحديث قانون الحشد الشعبي قبل نحو ثلاثة أشهر، وإيصال رسائل واضحة إلى قوى سياسية بعدم تمرير أي تعديل تشريعي يتعلق به في هذه المرحلة، يعطي صورة واضحة عن المقاربة الأمريكية، التي تنظر إلى الحشد بوصفه امتداداً لمنظومة الميليشيات المسلحة، وليس مؤسسة أمنية قابلة لإعادة الهيكلة.

ضغوط متصاعدة

في موازاة ذلك، تتحدث تقديرات سياسية عن أن الضغوط الدولية لم تعد محصورة بالتصريحات أو الرسائل الدبلوماسية، بل باتت مرتبطة بجداول زمنية واضحة، وربط مباشر بين شكل الحكومة المقبلة وطبيعة التعاون الأمني والعسكري مع بغداد، وهو ما دفع عدداً من الفاعلين إلى التعامل مع ملف السلاح باعتباره استحقاقاً لا يمكن تأجيله.

من جهته، قال الخبير الاستراتيجي، اللواء المتقاعد جواد الدهلكي إن "وضع الحشد الشعبي والفصائل المرتبطة به بات يتجه نحو قرار واحد يتمثل بتسليم السلاح للدولة دون شروط"، لافتاً إلى أن "الوقت المتبقي بدأ بالعد التنازلي، وهو مقرون بتشكيل الحكومة الجديدة وفق التوقيتات الدستورية".

وأضاف الدهلكي لـ"إرم نيوز" أن "المسار المطروح يقوم على تسليم السلاح لوزارتي الدفاع والداخلية، استناداً إلى مواد دستورية واضحة، وفي حال التعثر ستكون هناك تبعات قانونية وأمنية"، مشيراً إلى أن "المرحلة المقبلة لن تشبه ما سبقها، سواء من حيث مستوى الضغط أو طبيعة الخيارات المتاحة".

وبحسب معطيات المشهد السياسي، فإن الاستجابة السريعة لعدد من الفصائل لدعوات حصر السلاح، تمثل سابقة قياساً بالسنوات الماضية، التي شهدت تجاهلاً شبه كامل لدعوات مماثلة صدرت عن المرجعية الدينية والقوى السياسية والحكومات المتعاقبة، دون أن تُترجم إلى خطوات عملية.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC