رأى مختصون في الشأن العراقي، أن تزامن مواقف عدد من الميليشيات المسلحة العراقية الداعية إلى حصر السلاح بيد الدولة يشير إلى تحول سياسي وأمني لافت، قبيل وصول مبعوث الرئيس الأمريكي إلى العاصمة بغداد.
وخلال الساعات الماضية، برز تقارب غير مسبوق في تصريحات قادة فصائل وقوى سياسية عراقية بشأن ترسيخ هيبة الدولة وإنهاء مظاهر السلاح خارج الإطار الرسمي، في وقت تحدثت فيه مصادر سياسية عن حساسية المرحلة المقبلة.
وفي هذا السياق، قال رئيس المركز الإعلامي العراقي في واشنطن، نزار حيدر، إن "الفصائل المسلحة يمكن تقسيمها إلى نوعين، الأول هو الذي انخرط بالعملية السياسية والانتخابية على مراحل عدة، كان آخرها الانتخابات النيابية الأخيرة، وشارك في حكومات سابقة عبر وزراء أو مواقع تنفيذية".
وأضاف حيدر لـ"إرم نيوز"، أن "هذا النوع من الفصائل سعى خلال السنوات الماضية للتحول من قوة مسلحة خارج سلطة الدولة إلى جزء من مؤسساتها الأمنية والسياسية، وهو ما يفسر دعوته الحالية إلى حصر السلاح بيد الدولة؛ سعيًا إلى تحقيق المقبولية لدى المجتمعين الدولي والإقليمي، ولا سيما الولايات المتحدة".
وأوضح أن "النوع الثاني يتمثل بالفصائل التي ما زالت لا تجد نفسها بالكامل داخل العملية السياسية، رغم مشاركتها الشكلية في الانتخابات، وتستمر في توظيف خطاب المقاومة، بهدف تعظيم مكاسبها السياسية والمالية والأمنية قبل إعلان انخراطها التام في مؤسسات الدولة"، مشيرًا إلى أن "ما يجري حاليًا يشير إلى شعور عام لدى القوى السياسية والفصائل بجدية الموقف الأمريكي بعدم التعامل مع أي حكومة جديدة تشترك فيها فصائل مسلحة خارج إطار الدولة".
ويأتي هذا الحراك في ظل تحذيرات متزايدة من كلفة استمرار السلاح خارج سلطة الدولة، حيث أكد رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان أن ملف السلاح بات قرار دولة.
وبالتوازي مع ذلك، نقلت تقارير صحفية معلومات عن تسلم مسؤولين عراقيين بيانات أمنية عالية التفصيل عن الميليشيات المسلحة، تتضمن خرائط تنظيمية ومالية، في خطوة وصفت بأنها رسالة تحذير من تحركات محتملة في حال استمرار الوضع القائم.
وفي مقابل هذه المواقف، برز رفض صريح من بعض الفصائل لعملية نزع السلاح، إذ أعلنت ميليشيا كتائب حزب الله، وميليشيا النجباء تمسكهما بسلاحهما، وربطتا أي حديث عن التسليم بخروج القوات الأجنبية من البلاد، معتبرتين أن السلاح يمثل، وفق بياناتهما، "حقًا سياديًا" مرتبطًا بمفهوم المقاومة.
من جانبه، قال الباحث الأمني حميد العبيدي إن "التحول في خطاب عدد من الفصائل لا يمكن فصله عن تغير موازين القوة في الإقليم، وتصاعد الضغوط الدولية، إضافة إلى إدراك داخلي بأن استمرار ازدواجية السلاح بات يشكل عبئًا سياسيًا وأمنيًا على الدولة العراقية".
وأضاف العبيدي لـ"إرم نيوز" أن "المرحلة المقبلة ستشهد اختبارًا عمليًا لمدى جدية هذه المواقف، من خلال قرارات تنفيذية واضحة، وجدول زمني محدد، وآليات رقابية وقضائية تضمن حصر السلاح فعليًا بيد المؤسسات الرسمية"، مبينًا أن "أي تلكؤ أو انتقائية في التطبيق قد يفتح الباب أمام أزمات جديدة".
ويشير متابعون إلى أن هذا التحول يتزامن مع رسائل أمريكية متكررة بشأن صعوبة التعامل مع أحزاب أو فصائل مدرجة على لوائح العقوبات، وهو ما أكده وزير الخارجية فؤاد حسين في تصريحات سابقة، شدد فيها على القيود القانونية التي تحكم العلاقة مع هذه الجهات.
ومع اقتراب وصول مبعوث الرئيس الأمريكي للعراق مارك سافايا، تبدو الساحة العراقية "وفق مختصين" أمام استحقاق حساس، في ظل الضغوط الخارجية وحسابات الداخل، في وقت تسعى فيه الحكومة المقبلة إلى تجنيب البلاد مزيدًا من التوترات، وإعادة ضبط العلاقة بين الدولة والسلاح، ضمن إطار قانوني ومؤسسي جامع.