رأى خبراء سياسيون فرنسيون أن التصعيد الأخير في العلاقات بين فرنسا والجزائر يعكس تحولًا جذريًا في منهج التعامل الفرنسي مع ملف الهجرة والعلاقات التاريخية المتوترة مع الجزائر، لا سيما بعد تصريحات وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو التصعيدية بقوله: إن الرعايا الجزائريين الذين يشكلون خطرًا، لا مكان لهم في فرنسا. كما أكد الخبراء أن باريس بدأت تعتمد سياسة "الندية الصارمة" بدلًا من الحوار التقليدي.
من جانبه، قال الدكتور جان-إيف مويسيه، أستاذ العلاقات الدولية في معهد العلوم السياسية (Sciences Po) لـ"إرم نيوز"، إن "فرنسا أطلقت مرحلة جديدة في علاقتها مع الجزائر، قائمة على معادلة: لا امتيازات دون التزامات متبادلة. هذه ليست فقط أزمة دبلوماسية، بل محاولة لإعادة ضبط العلاقة التاريخية على أساس واقعي، غير عاطفي".
وأشار إلى أن تصريحات ريتايو التصعيدية جاءت نتيجة موقف الجزائر المتعنت أمام فرنسا، معتبرًا أن فرنسا بدأت تعامل الجزائر بمبدأ الندية وتوازن القوى.
وفي المقابل، قالت الدكتورة كلير ديمورجيه، الباحثة في مركز الدراسات الدولية (CERI) والخبيرة في الشأن المغاربي، لـ"إرم نيوز"، إن "هذا التصعيد يعكس تحولًا فرنسيًا واضحًا، من مقاربة التسامح مع الملفات السيادية الحساسة في الجزائر، إلى لغة الضغط والرد بالمثل. لكنه في الوقت ذاته، يحمل خطر إغلاق قنوات الحوار الاستراتيجي، خاصة في ملفات الأمن والهجرة والطاقة".
وأشارت الخبيرة الفرنسية إلى أن فرنسا تحتاج الجزائر في عدة ملفات أبرزها التنسيق على الصعيد الأمني في ملف الساحل الإفريقي وهو موضوع حساس للغاية، كذلك الاعتماد على الغاز الجزائري بشكل كبير بعد فقدان فرنسا للغاز الروسي نتيجة الحرب الأوكرانية، وأيضًا التنسيق في ملف المهاجرين لمنع تدفق الهجرة غير الشرعية".
ورأت ديمورجيه أن فرنسا ستكون الخاسرة من الموقف العدائي مع الجزائر، مشددة على ضرورة فصل النوايا الانتخابية للسياسيين الفرنسيين لاستقطاب الناخبين من اليمين وبين الدبلوماسية الفرنسية المتوازنة التي اعتادت عليها فرنسا.
وفي خضم الأزمة المتصاعدة مع الجزائر، لم يستبعد وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو ضرورة "التصعيد" في الرد على ما وصفه بتعنّت الجزائر، مشدّدًا على أن "اللغة الجديدة في هذا العالم هي لغة توازن القوى"، وأضاف: "الرعايا الجزائريون الذين يشكلون خطرًا، لا مكان لهم في فرنسا".
وقال الوزير في مقابلة الخميس، إن فرنسا "ستضطر إلى التصعيد" في حال واصلت الجزائر رفضها استعادة مواطنيها الذين صدر بحقهم قرار الترحيل من فرنسا (OQTF)، مضيفًا: "لدينا أدوات عديدة، مثل التأشيرات والاتفاقيات"، مشيرًا إلى إمكانية استخدام وسائل ضغط إضافية إذا استمر الجمود.
وتابع ريتايو: "فرنسا أمة عظيمة. المسألة ليست فقط دبلوماسية، بل تتعلق أيضًا بكبرياء الشعب الفرنسي، الذي لم يعد يقبل أن تهينه الجزائر".
والأزمة التي جاءت في وقت كانت العلاقات بين البلدين تشهد بوادر تهدئة، تفجرت من جديد بعد أن اتهمت الجزائر وزير الداخلية الفرنسي بالمسؤولية "الكاملة" عن التصعيد. وفي بيان شديد اللهجة، وصفت وزارة الخارجية الجزائرية تصرفات ريتايو بأنها "مخزية"، واتهمته بـ"التصرف بأساليب أمنية قذرة لأغراض شخصية محضة".
وقال الوزير الفرنسي: "أنا على الصفحات الأولى لوسائل الإعلام الموالية للنظام في الجزائر. أنا الهدف الرئيس".
وكانت الأزمة قد انفجرت إثر اعتقال عميل قنصلي جزائري في فرنسا، بتهمة ضلوعه في اختطاف مؤثر جزائري معارض يعيش في المنفى، الأمر الذي اعتبرته الجزائر مساسًا بسيادتها.
وردًا على ذلك، أعلنت الجزائر يوم الأحد طرد 12 موظفًا من وزارة الداخلية الفرنسية، ومنحتهم 48 ساعة لمغادرة البلاد. لم تتأخر باريس في الرد، حيث قامت بطرد 12 دبلوماسيًا جزائريًا من القنصليات الفرنسية، واستدعت سفيرها في الجزائر للتشاور.