رأى خبير سياسي فرنسي أن تراجع الثقة بين باريس والجزائر يفتح المجال لقوى أخرى لإعادة تشكيل النفوذ في شمال أفريقيا.
وفي حوار مع "إرم نيوز"، قال جان بابتيست جالوبان، المتخصص في الشأن الجزائري في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR)، إن قرار طرد الجزائر 12 دبلوماسيا فرنسيا هو رسالة سياسية حادة تؤكد أن الجزائر لم تعد تقبل بـ"العلاقة غير المتكافئة" مع باريس.
وكانت السلطات الجزائرية، في خطوة دبلوماسية غير مسبوقة، طلبت من 12 دبلوماسيا فرنسيا مغادرة أراضيها؛ ما فُهم على نطاق واسع كمؤشر إضافي على تصاعد التوتر بين الجزائر وباريس، رغم محاولات سابقة لترميم العلاقات الثنائية.
وتاليا تفاصيل الحوار مع الخبير السياسي الفرنسي..
هذا القرار ليس وليد اللحظة، بل هو نتيجة لتدهور مستمر وتراكم توتر مكتوم منذ أشهر في العلاقات بين باريس والجزائر، وخصوصا منذ أزمة التأشيرات في 2021، ثم الجدل حول التصريحات التاريخية لماكرون بشأن "الأمة الجزائرية".
الجزائر تعتبر أن فرنسا تتدخل بشكل غير مباشر في شؤونها الداخلية، سواء عبر المجتمع المدني، أو من خلال تقارير استخباراتية توصف في الجزائر بأنها "مريبة".
طرد 12 دبلوماسيا هو رسالة سياسية حادة تؤكد أن الجزائر لم تعد تقبل بـ"العلاقة غير المتكافئة" مع باريس.
على الأرجح، نعم. ثمة مصادر جزائرية غير رسمية تحدثت عن "نشاط مفرط" لبعض الدبلوماسيين الفرنسيين في ملفات سياسية حساسة، منها الاتصالات غير المعلنة مع معارضين جزائريين في الخارج.
كذلك، هناك تحفظات من الجزائر على موقف فرنسا من الحرب في غزة.
هذا القرار يحمل بعدا سياديا ورسالة تقول إن الجزائر تريد أن ترسم حدودا جديدة في العلاقة الثنائية، مبنية على الاحترام المتبادل.
من المستبعد أن تختار فرنسا التصعيد المباشر، خاصة في العلن. ماكرون ما زال حريصا على إبقاء خيط تواصل مع الجزائر، خصوصا بسبب ملفات استراتيجية كالهجرة، وأمن الساحل، والطاقة.
الرد الفرنسي سيكون دبلوماسيا هادئا في الظاهر، لكنه قد يأخذ شكل "إعادة تقييم للعلاقات"، أو تأجيل زيارات رسمية كانت مبرمجة، أو ربما تقليص التعاون في بعض الملفات الأمنية.
باريس تعرف أن الأزمة عميقة، لكنها لا تريد قطع الجسور بالكامل، خاصة مع اقتراب استحقاقات سياسية في كلا البلدين.
بكل تأكيد. الصين وروسيا تحاولان التغلغل أكثر في الجزائر، وتقديم نفسيهما كشريكين "أقل تدخلا" من فرنسا. كذلك، تركيا تعزز نفوذها الثقافي والاقتصادي في الجزائر.
كلما تراجعت الثقة بين باريس والجزائر، فُتح المجال لقوى أخرى لإعادة تشكيل النفوذ في شمال أفريقيا. وهذا ما يثير قلق الدبلوماسية الفرنسية، التي تجد نفسها في موقع دفاعي أكثر من كونها شريكا إستراتيجيا كما كانت في الماضي.
في ظل هذا التوتر، هل ترون أن قنوات الحوار لا تزال قائمة بين البلدين؟
رغم التصعيد، لا يمكن القول إن الحوار مقطوع تماما. هناك اتصالات على مستوى المخابرات والدفاع والملفات الأمنية. لكن على المستوى السياسي، خاصة الرئاسي، هناك فتور واضح.
فرنسا تشعر بالإحراج من تصرفات الجزائر، والجزائر بدورها لا تثق في نوايا باريس. لا بد من وسيط أو مبادرة قوية لكسر الجمود، لكن ذلك يبدو غير مرجح في المدى القريب.