تهدد واقعة جديدة بتفجير أزمة أخرى في العلاقات بين الجزائر وفرنسا، التي شهدت مؤخرًا محطات من التصعيد والتجاذبات السياسية.
الأزمة الجديدة تتمثل في اختطاف المؤثر الجزائري المعارض أمير بوخُرس على الأراضي الفرنسية، والاشتباه بتورط موظف يعمل لدى قنصلية جزائرية في فرنسا في الواقعة.
وحول ذلك قال المحلل السياسي المتخصص في العلاقات الجزائرية الفرنسية باتريك فورنييه، إن "هذه الحادثة ليست مجرد عمل إجرامي معزول، بل تحمل دلالات سياسية عميقة، خاصة إذا ثبت فعليًا تورط عناصر مرتبطة مباشرة بجهاز دبلوماسي رسمي".
وأضاف فورنييه، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن "إقدام نظام أجنبي على تنفيذ أعمال عنف أو تهديدات داخل الأراضي الفرنسية، عبر قنوات دبلوماسية أو شبه رسمية، يُعد تجاوزًا خطيرًا للخطوط الحمراء الدبلوماسية، ويضع الحكومة الفرنسية في موقف حرج أمام الرأي العام".
ومن جانبه، قال الباحث في مركز الدراسات الجيوسياسية في باريس جان-فيليب لامبير، إن "التحقيقات الجارية ستحدد ما إذا كانت هناك شبكة ممنهجة تستهدف المعارضين الجزائريين في فرنسا".
وأكد لـ"إرم نيوز"، أن "هذا النوع من الممارسات قد يعيد إلى الواجهة ملف تدخل الأجهزة الأمنية الأجنبية في الشأن الفرنسي، وهو ملف حساس للغاية في السياق الحالي للعلاقات الفرنسية-الجزائرية".
وأشار لامبير إلى أن "السلطات الفرنسية ستجد نفسها مضطرة لاتخاذ موقف دبلوماسي واضح، خصوصًا مع الجدل الدائر حول مسألة الحصانة الدبلوماسية للمتهم العامل في القنصلية، ما قد يؤدي إلى أزمة سياسية صامتة بين البلدين، أو ربما أكثر من ذلك".
وجّه القضاء الفرنسي اتهامات رسمية لثلاثة أشخاص، أحدهم يعمل في إحدى القنصليات الجزائرية بفرنسا، بالتورط في حادثة اختطاف المؤثر الجزائري المعارض للنظام، أمير بوخُرس، نهاية شهر أبريل/ نيسان 2024، بحسب ما أفادت "فرانس برس" نقلًا عن مصادر قريبة من الملف في 12 أبريل/ نيسان الجاري.
وتشمل الاتهامات "الاعتقال والاختطاف والاحتجاز أو الحبس التعسفي المرتبط بعمل إرهابي"، إضافة إلى "المشاركة في جمعية أشرار ذات طابع إرهابي إجرامي"، حسب ما أكد الادعاء الوطني الفرنسي المختص بمكافحة الإرهاب.
ومساء الجمعة، قررت قاضية الحريات والاحتجاز وضع المتهمين الثلاثة قيد الحبس الاحتياطي. ويعمل أحد الموقوفين في قنصلية جزائرية بفرنسا.
وأشارت مصادر مقربة من الملف إلى أن "مسألة الحصانة الدبلوماسية ستُطرح في أثناء مجريات التحقيق"، موضحةً أن هذا الموظف لا يحمل جواز سفر دبلوماسي، بل جواز خدمة فقط.
وكان أمير بوخُرس، المؤثر الجزائري المعروف بانتقاده للنظام، قد تعرّض "لاعتداءين خطيرين، أحدهما في عام 2022، والآخر في 29 أبريل 2024، وفقًا لما ذكره محاميه إريك بلوفييه، في تصريح لـ"فرانس برس".
وقد تم فتح تحقيق أولي في البداية لدى نيابة كريتاي، قبل أن يتولى الادعاء الوطني لمكافحة الإرهاب الملف في فبراير/ شباط الماضي.
وأكد المحامي بلوفييه أن تحويل التحقيق إلى مستوى قضائي أعلى "يُظهر أن دولة أجنبية، وهي الجزائر، لم تتردد في تنفيذ عمل عنيف على الأراضي الفرنسية باستخدام أساليب ترهيب وتخويف تهدد الحياة"، وفق قوله.
وأضاف أن "توقيف أفراد مرتبطين بالنظام الجزائري وتقديمهم للقضاء الفرنسي يكشف أن حادثة 29 أبريل/ نيسان هي في الواقع قضية دولية".
وظهر اسم أمير بوخُرس أيضًا في قضية قضائية أخرى فتحتها نيابة باريس، حيث وُجّه الاتهام في ديسمبر/ كانون الأول الماضي إلى موظف في وزارة الاقتصاد الفرنسية، يُشتبه في تزويده طرفًا جزائريًا معلومات عن معارضين للنظام، من بينهم بوخُرس.
وأفادت النيابة العامة أن هذه المعلومات كانت تُطلب وتُنقل إلى "شخص يحمل الجنسية الجزائرية ويعمل في قنصلية الجزائر في كريتاي".
وبحسب مصدر قريب من التحقيق، فإن بعض الأشخاص الذين تم تسريب معلومات عنهم قد تعرضوا لاحقًا لـ"أعمال عنف وتهديدات بالقتل ومحاولات اختطاف".