الجيش الإسرائيلي: يمكن لسكان مدينة غزة مغادرة المدينة باتجاه المواصي عبر شارع الرشيد بدون تفتيش
أكد خبراء سياسيون فرنسيون في مراكز بحثية مرموقة أن إعلان الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والجزائري عبد المجيد تبون استئناف العلاقات الثنائية، بعد أشهر من القطيعة والتوتر، يعكس تحوّلاً جوهريًا في تعاطي باريس مع الملف الجزائري.
وتطرح هذه الخطوة تساؤلات واسعة عن جدوى منهجية "توازن القوى" التي تبنّتها فرنسا طيلة الأزمة، ومدى قدرة الدبلوماسية الهادئة والمفاوضات السرية على تحقيق انفراجة فعلية في الملفات الشائكة، خصوصًا ما يتعلق بالهجرة والتعاون الأمني وقضية الكاتب بوعلام صنصال.
ويرى محللون أن هذا التحول المفاجئ لم يأتِ من فراغ، بل يعكس تصاعد الضغوط الداخلية في فرنسا، وعودة الرئيس ماكرون للإمساك بزمام المبادرة في مواجهة التشدد الذي انتهجه وزير داخليته برونو ريتايو، وسط انقسام داخل دوائر صنع القرار الفرنسية بشأن الاستراتيجية الأنسب للتعامل مع الجزائر.
وفي أعقاب أشهر من التوترات الحادة والصدامات غير المسبوقة بين باريس والجزائر، شهدت العلاقات بين البلدين تحولًا لافتًا عقب المكالمة الهاتفية بين ماكرون ونظيره الجزائري، يوم الاثنين الماضي.
وجاءت هذه الخطوة في أعقاب سلسلة من الأزمات، أبرزها التحوّل الفرنسي المفاجئ تجاه ملف الهجرة، واعتقال الكاتب بوعلام صنصال، ما فجّر خلافات عميقة داخل أروقة السلطة الفرنسية بشأن كيفية التعامل مع الجزائر.
ويأمل الإليزيه أن تُشكّل زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو إلى الجزائر في 6 أبريل نقطة انطلاق حقيقية نحو "إعادة تأسيس" العلاقة الثنائية، بعيدًا عن منطق "الصدام" الذي طبع المرحلة الماضية.
وقال أوليفييه روا، الباحث في مركز الدراسات الدولية بـ"ساينس بو باريس"، لـ"إرم نيوز"، إن "ماكرون اختار هذه المرة "الطريق البراغماتي"، بعد أن أدرك أن سياسة الضغط والمجابهة لم تؤتِ أُكُلها".
وأضاف: "أخطأت فرنسا عندما اعتقدت أن بإمكانها فرض إملاءات سياسية على الجزائر باستخدام أدوات الهجرة أو التأشيرات. النظام الجزائري لا يتجاوب إلا عبر قنوات رسمية محكومة بالبروتوكول السيادي، لا بالعقوبات".
ويعتبر روا إشراك وزارة الخارجية في الملف- بدلاً من وزارة الداخلية- مؤشرا على "استعادة الدولة الفرنسية السيطرة على إدارة هذا الملف بعيداً عن المنظور الأمني المحض".
وتابع أن فرنسا تعاني انحسار نفوذها في الساحل الأفريقي، ولا يمكنها تحمّل قطيعة استراتيجية مع الجزائر، التي تملك مفاتيح التعاون الأمني والمعلوماتي في المنطقة. ولهذا، فإن إعادة إطلاق العلاقات لم تكن خيارًا دبلوماسيًا فقط، بل ضرورة جيوسياسية، إذ ربط بين انفراج الأزمة الأخيرة والتحولات الإقليمية الأوسع، خاصة في منطقة الساحل.
وأشار إلى أن الجزائر، من جهتها، استخدمت أوراقها بنجاح، خصوصًا ورقة بوعلام صنصال، كورقة ضغط معنوية، ثمّ أبدت انفتاحًا مشروطًا بعد تأكيد ماكرون احترام "السيادة القضائية الجزائرية".
من جانبه، حمّل فرانسوا بورجا، خبير في العلاقات الفرنسية-العربية، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، السلطات الفرنسية جزءًا كبيرًا من المسؤولية عن التصعيد، مؤكدًا أن تصريحات بعض الوزراء- خصوصًا برونو ريتايو- كانت "شعبوية وموجهة للاستهلاك الداخلي".
وأضاف أن "تصريحات ريتايو حول اتفاق 1994 والهجرة فُسّرت في الجزائر على أنها ابتزاز علني، وجاءت في توقيت حساس داخليًا، بينما تدارك ماكرون الأمر بإعادة الإمساك بالملف من الإليزيه، وهي إشارة واضحة على تصحيح المسار".
ويرى بورجا أن ماكرون يتعلم من أخطائه، ويحاول أن يوازن بين طمأنة الرأي العام الفرنسي ومراعاة خصوصية العلاقة مع الجزائر، التي لا تخضع فقط لمعايير السياسة الخارجية، بل للتاريخ والجغرافيا والمجتمع.
وقالت كلير تولون، مديرة الأبحاث في Fondation Jean-Jaurès، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، إن التهدئة الحالية "هشة"، وإن نتائجها تعتمد على مدى جدّية التعاون في ملفات محددة، مثل الهجرة، وإعادة قبول الجزائريين المُبعدين، والتعاون الأمني في مكافحة الإرهاب".
وأضافت تولون أن "اللقاءات بين القناصل الجزائريين في فرنسا والسلطات الفرنسية المحلية ستكون اختبارًا فعليًا، وإذا لم تُترجم إلى آليات واقعية، فستكون العودة إلى التوتر سريعة".
ولفتت إلى أن الجانب الجزائري ينتظر بدوره "مؤشرات حسن نية" من باريس، خاصة فيما يتعلق بقضية بوعلام صنصال، التي ما زالت تلقي بظلالها على العلاقة الثقافية بين البلدين.