بعد انقطاع قارب 4 سنوات، عُقد اجتماع جديد في برلين سعياً إلى كسر الجمود الراهن في ليبيا ودعماً لقرارات اللجنة الاستشارية الأممية.
ويأتي الاجتماع، الذي عقد تحت اسم "برلين 3"، في إطار البحث عن تشكيل سلطة تنفيذية مؤقتة لتحل محل الحكومتين الحاليتين، تمهد الطريق لقيادة البلاد نحو انتخابات عامة.
وشارك في هذا الاجتماع، الذي ترأسته رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، حنا تيتة، والسفير الألماني كريستيان باك، 23 دولة، بالإضافة إلى منظمات إقليمية ودولية رئيسة، منها: الاتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية، والاتحاد الأوروبي.
وكان هذا أول اجتماع عام للجنة المتابعة الدولية بشأن ليبيا منذ أكتوبر 2021.
وفي بيانهم الختامي، أعرب أعضاء اللجنة عن استيائهم من الجمود السياسي الراهن، الذي اعتبروه "خطرًا متزايدًا على وحدة ليبيا واستقرارها"، في ظل التدهور السريع للوضع الاقتصادي والمالي للبلاد.
كما أعربوا عن "قلقهم إزاء الاشتباكات المسلحة الأخيرة"، لا سيما في طرابلس، "التي تسببت في سقوط ضحايا مدنيين، وتدمير البنية التحتية ".
ورغم التوترات، رحب المشاركون بمبادرات الأطراف الليبية من أجل المصالحة الوطنية، وأقروا "بالدور البناء للاتحاد الأفريقي ".
وأكد الأعضاء "التزامهم بعملية سياسية بقيادة وبملكية ليبية، بدعم من الأمم المتحدة". كما أكدوا "احترامهم الكامل لسيادة البلاد واستقلالها، وسلامة أراضيها، ووحدتها الوطنية"، فضلاً عن التزامهم "بالامتناع عن أي تدخل في شؤونها الداخلية".
وفي السياق، كشفت مصادر دبلوماسية ليبية لـ"إرم نيوز" أن المجتمعين في "برلين 3" ناقشوا تفاصيل الخيارات المطروحة دعماً لقرارات اللجنة الاستشارية المؤلفة من 20 عضواً، والتي قدمت 4 مقترحات بالتعاون مع الأمم المتحدة لإيجاد حل للانسداد السياسي في ليبيا.
ويدفع المجتمع الدولي نحو إنشاء مجلس تأسيسي من 60 شخصية للقيام بمهمة قيادة حوار جديد يضم إلى جانب الأعضاء العشرين للجنة الاستشارية، نواب البرلمان، والمجلس الأعلى للدولة، وأيضاً ممثلي المجتمع المدني.
وستكون مهمة المجلس تشجيع تشكيل حكومة جديدة محدودة المهام لتحل محل الحكومتين الحاليتين، تمهيداً لقيادة ليبيا نحو انتخابات عامة كسبيل وحيد للخروج من المأزق الحالي.
ورغم استطلاع البعثة الأممية آراء الليبيين عبر إطلاق نموذج من 4 خيارات حول الحل الأمثل للتسوية السياسية، ستسعى اللجنة إلى إحداث توافق دولي حول مقترح برلين قبيل اجتماع بمقر الأمم المتحدة الثلاثاء المقبل، ليتم اعتماده من قبل مجلس الأمن.
ويرى المحلل السياسي عز الدين عقيل، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن "برلين 3 هو مجرد محاولة لذر الرماد في عيون الليبيين في محاولة لتهدئة غضبهم من تلاعب القوى الأجنبية بهم"، وفق تعبيره.
وتابع أن تغيّر وضع ليبيا كان بانتظار انتهاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أوكرانيا ليتفرغ له، وحدد قائد الأسطول السادس طبيعة مخططه في ليبيا، وهو يقف فوق رصيف ميناء طرابلس والذي يعني بوضوح إتمام الهيمنة والسيطرة الأمريكية على البلاد.
ولعل الأمر في ليبيا أصبح أكثر تعقيداً في أعقاب انفجار أزمة الحرب بين إيران وإسرائيل، وعليه يعتقد عقيل "من السخف تصور أن العالم المشغول بالأزمة الإيرانية الإسرائيلية البالغة الخطورة، سيجد الوقت ليتفرغ للأزمة الليبية التي لا يوجد أصلاً اتفاق على تصور موحد أو حتى متقارب لحلها".
ويستبعد الباحث الليبي إقدام الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على حل الأزمة الليبية، في ظل استمرار الوجود الروسي فيها، لأن أي حل من جانب واشنطن وحلفائها لن يكون قبل التأكد من خلوها من الروس، وهذا ما أكد أنه سيأخذ وقتاً طويلاً.
ويخشى الليبيون تكرار فشل الماضي، فقد كان من المفترض أن يقود رئيس الحكومة المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، البلاد إلى انتخابات العام 2021، لكنه ساهم بنفسه في إفشال هذا المشروع، إذ أراد الترشح رغم أن الاتفاق السياسي يحظر على رؤساء الوزراء الحاليين ذلك.
وبالتزامن مع الاجتماع، نظمت فعاليات من الجاليات الليبية في أوروبا وقفة احتجاجية، مساء الجمعة، أمام مقر الخارجية الألمانية ببرلين، دعا خلالها المشاركون إلى دعم "المطالب الشعبية بتصحيح المسار السياسي، والوصول الى انتخابات تنهى كافة المراحل الانتقالية التي ساهمت في تأزيم الوضع السياسي والأمني والاقتصادي الراهن" .
كما دعا المشاركون في الاجتماع الى إقرار تعجيل الانتخابات المحلية وإسقاط الأجسام السياسية ومعاقبة معرقلي ذلك، وتبني توصية اللجنة الاستشارية للبعثة الأممية لليبيا في البند الرابع، والإصرار على إجلاء المرتزقة والقوات الأجنبية عن الأراضي الليبية.
وأكدوا أن استمرار الوضع الراهن يهدد مصير ملايين الليبيين، وهو ما يتطلب تحركاً عاجلاً لوقف التدهور الأمني والسياسي في البلاد.