عجزت المحكمة الجنائية الدولية، بعد نحو 6 أشهر من إغلاق باب التحقيقات في الجرائم المرتكبة في ليبيا، عن محاسبة أي مسؤول متورط أو تمكين قراراتها من القبض عليهم، بعد مضي 14 عامًا من بداية ولايتها.
وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال بحق 12 شخصًا على خلفية الوضع في ليبيا؛ تتعلق هذه القضايا بجرائم يُزعم ارتكابها خلال ما تعرف بثورة فبراير/شباط 2011، وجرائم متعلقة بالأعمال العدائية في ليبيا بين عامي 2014 و2020، وأخرى في مراكز الاحتجاز، بما في ذلك ضد المهاجرين.
وبينما توفي 3 مطلوبين للمحكمة منذ ذلك الحين، لا يزال 8 منهم طلقاء؛ إذ أعلن قضاة المحكمة الجنائية الدولية عدم قبول الدعوى المرفوعة ضد رئيس المخابرات السابق في عهد معمر القذافي، عبد الله السنوسي، أمام المحكمة، في حين لا يزال سيف الإسلام القذافي طليقًا.
وأرجع مراقبون هذا الفشل إلى تقاعس السلطات المؤقتة والحكومات الليبية المتعاقبة منذ 2011 عن اعتقال المشتبه بهم بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية وتسليمهم لها، ما حدّ من التقدم المحرز في مجال العدالة.
وفي منتصف مايو/أيار الماضي، أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، أن مكتبه أحرز تقدمًا في ليبيا، وأنه ينوي إغلاق مرحلة التحقيق في مطلع عام 2026.
وفي الوقت نفسه، قبلت حكومة الوحدة المؤقتة اختصاص المحكمة حتى عام 2027؛ ولكن بعد 14 عامًا من التحقيق دون محاكمة، يتساءل خبراء: هل هناك أي أمل في التغيير؟.
ويرى الناشط الليبي في الشأن الحقوقي، مريجع عمر، أن خطوات تعزيز التعاون بين محكمة لاهاي والسلطات الليبية لأول مرة منذ 2011 تبقى إعلانًا بلا فائدة، ما لم يصاحب ذلك تسليم المطلوبين، وهم كُثر، آخرهم مسؤول سجن معيتيقة سيّئ السمعة، أسامة نجيم المصري، الذي أفلت من الإنتربول في روما، مستغربًا الحديث عن "جدية" حكومة طرابلس في ظل استمرار احتمائها بتشكيلات مسلحة.
وفي 19 يناير/كانون الثاني 2025، اعتقلت الشرطة نجيم في مدينة تورينو، بناءً على مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية؛ لكن إيطاليا اختارت إعادته إلى طرابلس بدلًا من لاهاي.
ومنذ ذلك الحين، ووفقًا لخان، فقد نجيم منصبه كرئيس لمؤسسة السجون، ويبدو أنه لم تُتخذ أي إجراءات وطنية رسمية في ليبيا ضده.
وحذّر الناشط، في تصريح لـ"إرم نيوز"، من فتح الخطوة الباب أمام تدخل قضائي دولي مباشر في ليبيا، في ظل استمرار خضوع البلاد للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
ويرى أن المحكمة قد تستغل جهل السلطات الليبية، وتتعامل مع إعلان الحكومة على أنه مؤشر على عدم قدرة القضاء الوطني الليبي على محاكمة مرتكبي الجرائم والانتهاكات التي حدثت ولا تزال منذ عام 2011، وهو ما يفسَّر على أنه عدم رغبة الدولة في النظر في تلك الجرائم، بما يفتح المجال أمام المحكمة لمباشرة اختصاصها وفقًا لقرار مجلس الأمن.
ومع إعلان كريم خان، في بداية ولايته، عن استراتيجية جديدة تركّز على القضايا المحالة من مجلس الأمن، لم تُترجم هذه الوعود إلى نتائج ملموسة.
ولم يُصدر خان، الذي تنحّى جانبًا حتى انتهاء التحقيق الذي يجريه مكتب خدمات الرقابة الداخلية التابع للأمم المتحدة في مزاعم بالتحرش الجنسي، مذكرات توقيف جديدة، في ظل واقع الإفلات من العقاب؛ حيث تظل المحكمة عاجزة عن تنفيذ هذه المذكرات بسبب افتقارها لسلطة إجبارية، وعدم تعاون الدول الأعضاء.
بدورها، قالت أستاذة القانون الجنائي الدولي بجامعة ميلانو، شانتال ميلوني، إنّه في حالة عدم قدرة المحكمة الجنائية الدولية على إنفاذ أوامر التوقيف قسرًا، يكمن الأمل الوحيد في تعاون دول ثالثة عند سفر هؤلاء الأشخاص إلى الخارج؛ وفي قضية نجيم، قامت المحكمة بعمل ممتاز، لكن موقف إيطاليا أثار إشكالية.
وأشارت، حسب موقع "جستس إنفو"، إلى أن "ليبيا كدولة لم تقبل قط باختصاص المحكمة الجنائية الدولية حتى الشهر الماضي، ولذلك لم تتعاون معها فعليًّا؛ بل على العكس، حاولت ليبيا منذ البداية الطعن في اختصاص المحكمة".
وحاليًا، ينظر المدّعون العامّون في المحكمة في عدة مسارات متعلقة بالوضع في ليبيا، تشمل العنف الذي اندلع خلال الحرب الأهلية عام 2011 والمتهم فيه سيف الإسلام القذافي، إلى جانب الجرائم المرتكبة في مراكز الاحتجاز، وكذلك الانتهاكات التي وقعت خلال الصراعات المسلحة بين عامي 2014 و2020، والتي أسفرت عن عدد من أوامر الاعتقال.
كما تواصل المحكمة التحقيق في الانتهاكات الجسيمة المرتكبة بحق المهاجرين واللاجئين، التي وُثّقت في تقارير دولية وأثارت قلقًا واسعًا في الأوساط الحقوقية.