مع دخول مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية مرحلة أكثر جدية، بدأت ملامح خلافات داخل قوى الإطار التنسيقي تبرز إلى السطح، وسط صعوبة في حسم اسم المرشح النهائي لرئاسة الوزراء، وتزايد الضغوط المرتبطة بالاستحقاقات الدستورية وتقاسم المواقع السيادية.
ورغم تكرار الاجتماعات، فإن طبيعة المرحلة الحالية وما يرافقها من استحقاقات تجعل الإطار أمام اختبار حقيقي يتعلق بقدرته على إنتاج رؤية تنسجم مع تعقيدات المشهد المقبل.
وتشير المعطيات المتداولة إلى أن الجدل حول إرسال أسماء المرشحين إلى المرجعية الدينية في النجف، وما سبقه من تباين في المواقف تجاه إدارة المرحلة المقبلة، كشف عن انقسامات داخلية بين القوى المشكلة للإطار التنسيقي.
بدوره، قال الباحث في السياسات الاستراتيجية كاظم ياور إن "انعقاد الاجتماعات وجلوس أطراف الإطار على طاولة واحدة لا يعني بالضرورة عدم وجود أزمة ثقة بين مكوناته، وخاصة الكتل القريبة من الفصائل المسلحة أو التي تعتبر نفسها الممثل الفعلي لها داخل البرلمان".
وأضاف ياور لـ"إرم نيوز" أن "الشواهد الأخيرة لا تعكس وجود رؤى مشتركة أو آليات واضحة لاتخاذ القرارات، إذ عجزت القوى المجتمعة عن بلورة محاور سياسية موحدة، ما يجعل أي اتفاق أشبه باتفاق صوري أكثر من كونه اتفاقاً حقيقيا".
وتبرز ضمن المؤشرات التي تحدث عنها محللون سياسيون، الضجة التي رافقت تعامل الحكومة العراقية مع ملف تصنيف حزب الله وميليشيا الحوثيين ضمن قوائم الإرهاب، وما تبعه من تباين في ردود الفعل داخل الإطار، إذ ظهرت ملامح اختلاف في مقاربة رئيس الوزراء المنتهية ولايته محمد شياع السوداني لهذا الملف، مقابل مواقف قوى سياسية أخرى داخل الإطار اعتبرت أن القرار كان محل خلاف وتقاطعات.
بدوره، كشف سياسي مطلع على أجواء الإطار التنسيقي أن "الخلافات الدائرة داخل الإطار تتعلق بعدد من الملفات الحساسة، وفي مقدمتها طريقة التعاطي مع الرسائل الأمريكية الأخيرة، وشكل الحكومة المقبلة، وآليات توزيع الوزارات السيادية بين القوى الفائزة، إضافة إلى تباين واضح بشأن كيفية التعامل مع التيار الصدري خلال المرحلة المقبلة".
وأضاف السياسي، الذي طلب حجب اسمه، لـ"إرم نيوز"، أن "بعض أطراف الإطار ترى ضرورة اعتماد مقاربة أكثر مرونة مع الضغوط الخارجية وتحديداً الموقف الأمريكي، فيما يدفع آخرون باتجاه عدم تقديم أي تنازلات".
وبحسب المصدر، فإن "الخلافات تتعلق أيضاً برغبة بعض القوى في الدفع نحو تشكيل حكومة مختلفة عن النسق السابق، تقوم على إبعاد الفصائل المسلحة عن المشاركة المباشرة في السلطة التنفيذية، واعتماد منهج أكثر وسطية في إدارة الدولة، إذ يقود تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم هذا الاتجاه، عبر التأكيد على ضرورة ولادة حكومة (وسطية) تتيح مساحة أوسع للحلول وتخفف من حدة الاستقطاب داخل البيت الشيعي".
وفي موازاة ذلك، كشف نواب في البرلمان العراقي السابق، عن زيارة أجراها مبعوث لقوى الإطار التنسيقي إلى المرجعية الدينية في النجف، في سياق البحث عن غطاء معنوي قبل الدخول في مرحلة الحسم، لكنها في الوقت نفسه شكلت مؤشراً على صعوبة التوصل إلى اتفاق داخلي خالص بشأن هوية المرشح النهائي لرئاسة الوزراء والحقائب السيادية.
ورغم أن المرجعية تحافظ تقليدياً على مسافة من التفاصيل السياسية، وتكتفي بتقديم النصح العام، فإن مجرد اللجوء إليها في هذه المرحلة يؤشر إلى حجم التحديات التي تواجه الإطار في تثبيت خياراته.
من جانبه، نفى الباحث السياسي المقرب من ائتلاف دولة القانون وائل الركابي وجود أي خلافات أو انقسامات داخل الإطار، مؤكداً أن "قوة مكونات الإطار تنبع من وحدته الداخلية، وأن الكتل المنضوية فيه تدرك أن تماسكها الجماعي هو مصدر نفوذها السياسي".
وأضاف الركابي لـ"إرم نيوز" أن "إرسال أسماء المرشحين إلى النجف لا يحمل أي دلالة على وجود خلاف، بل ينسجم مع موقع المرجعية ودورها في تقديم النصح، دون التدخل في اختيار رئيس الوزراء، لأن هذا القرار يعدّ سياسياً بالدرجة الأساس".
وتتفق مصادر سياسية على أن المرحلة المقبلة ستخضع لاختبارات متتالية تتعلق بتوزيع المناصب السيادية، وآليات اختيار رئيس الحكومة، وحجم تمثيل كل كتلة داخل الإطار، خصوصاً مع الحديث عن حقائب حساسة مثل النفط والنقل والداخلية، بالإضافة إلى موقع نائب رئيس البرلمان ومواقع تنفيذية أخرى.
كما أن طبيعة الاستحقاقات الدستورية المقبلة، وما تفرضه من تسارع في وتيرة المفاوضات وتحديد الخيارات النهائية، تجعل الإطار التنسيقي أمام مسؤولية تثبيت وحدة قراره السياسي، بما يسمح بتشكيل حكومة قادرة على إدارة الملفات المعقدة التي تنتظر البلاد، لاسيما في ظل وضع اقتصادي حساس ومشهد إقليمي متوتر.