logo
العالم العربي

فقد مكاسب هائلة.. هل يصمد "التيار الصدري" خارج السلطة في العراق؟

تظاهرة في بغداد ترفع صورة مقتدى الصدرالمصدر: أ ف ب

يواجه "التيار الصدري" مرحلة مفصلية في تاريخه السياسي بعد تثبيت قرار زعيمه مقتدى الصدر بمقاطعة الانتخابات البرلمانية المقبلة المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني، وهو ما يعني غياب أحد أكبر التيارات الشيعية عن الاستحقاق الانتخابي للمرة الأولى منذ العام 2005.

ويُنظر إلى هذه المقاطعة بوصفها خطوة متصلة بخطاب الصدر الإصلاحي الذي يرفض المشاركة في منظومة الحكم الحالية، ويرى أن العملية السياسية وصلت إلى طريق مسدود بفعل هيمنة القوى التقليدية واستشراء الفساد؛ ما دفعه إلى تبني خيار الانسحاب كوسيلة لإعادة التموضع ورفع الضغط عن جمهوره في مواجهة خصومه داخل البيت الشيعي.

أخبار ذات علاقة

لافتات تدعو لمقاطعة الانتخابات في العراق

التيار الصدري يدشن حملة واسعة تدعو لمقاطعة الانتخابات العراقية

وأثار قرار الانسحاب من العملية السياسية تساؤلات واسعة حول قدرة أنصار "التيار الصدري" على الصمود خارج منظومة السلطة، لا سيما أن شريحة واسعة منهم كانت تعمل داخل الإطار الحكومي أو البرلماني، وتستفيد مما تتيحه المناصب السياسية من مكاسب إدارية وخدمية يمكن من خلالها دعم الجمهور وتلبية مطالبه.

ومع غياب هذا الدور، وجد كثير من الصدريين أنفسهم خارج دوائر التأثير التي اعتادوا التحرك من خلالها طوال السنوات الماضية.

وخلال العامين الماضيين، تراجع الوجود الصدري في مؤسسات الدولة بعد انسحاب نواب الكتلة من البرلمان واستقالة ممثليهم من مواقع تنفيذية حساسة؛ الأمر الذي ترك فراغًا سياسيًا واسعًا استغلته قوى أخرى لتعزيز نفوذها في المناطق التي كانت تُعدّ تقليديًا من معاقل التيار، مثل مدينة الصدر والنجف والناصرية والعمارة.

ويرى مراقبون أن قرار المقاطعة يُعيد رسم خريطة القوى الشيعية، إذ يمنح أحزاب الإطار التنسيقي مساحة أكبر للتحرك وكسب جمهور جديد، في حين يركّز التيار الصدري على تثبيت صورته كقوة إصلاحية خارج السلطة.

فرصة لأحزاب الإطار

بدوره، أوضح الباحث في الشأن السياسي علي ناصر أن "التيار الصدري يقف أمام مفترق طرق خلال المرحلة المقبلة، فعدم مشاركته في الانتخابات يعني ترك مساحة شاغرة ستشغلها كتل وتيارات أخرى".

وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "غياب التمثيل البرلماني سيمنح الأحزاب المنافسة فرصة لتقديم الخدمات واستثمار مواقعها لكسب جمهور أوسع، بينما يعتمد التيار على جمهوره التقليدي الذي بقي ثابتًا رغم الانسحاب".

وأشار ناصر إلى أن "المناطق التي يتركز فيها جمهور التيار الصدري لم تكن تتمتع بخدمات كبيرة حتى خلال فترة وجود نوابه في البرلمان، لذلك فإن تأثير المقاطعة من الناحية الخدمية قد يكون محدودًا، إلا أن التيار يبدو واعيًا لهذا الواقع ويدرك أن الانسحاب جزء من رؤية أشمل لإعادة فرز المواقف ومعرفة القواعد الملتزمة فعلاً بمساره السياسي".

ويقدّم النواب عادةً خدمات مباشرة لجمهورهم عبر التوسط لدى المؤسسات الحكومية أو تسهيل التعيينات والرعاية الاجتماعية، وهي مسارات أساسية في العلاقة بين السياسي والناخب داخل البيئة العراقية، وقد فقد جمهور "التيار الصدري" هذه الخدمات تمامًا بعد الانسحاب من البرلمان؛ ما أدى إلى تقلص مساحة نفوذهم الاجتماعي في المدن والمناطق التي كانوا يمثلونها.

فعلى سبيل المثال، وجد 72 نائبًا صدريًا أنفسهم فجأة بلا حصانة نيابية ولا رواتب مجزية عقب قرار الاستقالة الجماعية العام 2022، في وقت تضرّر فيه العشرات من العاملين في مكاتبهم، إذ يحق لكل نائب التعاقد مع نحو 16 موظفًا ما بين إداريين ومستشارين وسكرتارية، وهو ما يعني خروج أكثر من ألف عائلة مرتبطة بالكتلة من دائرة الامتيازات البرلمانية.

وهذا التراجع في الحضور المؤسسي انعكس على القواعد الشعبية التي كانت تعتمد على تلك المكاتب كقنوات للتواصل مع الوزارات والدوائر الحكومية؛ ما جعل كثيرًا من الأنصار يشعرون بأنهم خسروا أدوات التأثير والخدمة.

أخبار ذات علاقة

سفير إيران في بغداد: تعليق نشاط التيار الصدري يولد فراغا سياسيا

خيار الصمود

في المقابل، يرى الأكاديمي خالد العرداوي أن "التيار الصدري لا يملك في الوقت الحاضر سوى خيار الصمود وإثبات صحة مساره لقواعده القيادية والشعبية، بانتظار ما ستسفر عنه الانتخابات المقبلة".

وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "المقاطعة لم تكن بنية الانسحاب من الحياة السياسية، بل لإعادة التموضع وفك الارتباط ببقية القوى الحاكمة، وتقديم نفسه كمشروع بديل للطبقة السياسية الحالية"، مبينًا أن "التيار ينتظر من خصومه ارتكاب أخطاء سياسية أو خدمية تمكّنه من العودة بزخم أكبر في التوقيت المناسب".

وبدت علامات التململ داخل "التيار الصدري" من خلال ترشح العشرات من أنصاره في السباق الانتخابي المقبل برغم الموقف الواضح لزعيم التيار مقتدى الصدر الداعي إلى المقاطعة الكاملة، وهو ما يؤشر إلى بروز حالة من التباين داخل الصف الصدري بين من يتمسك بقرار الزعيم ويعده التزامًا شرعيًا وسياسيًا، وبين من يرى أن المشاركة باتت ضرورة للحفاظ على الحضور داخل مؤسسات الدولة وعدم ترك الساحة خالية للمنافسين.

ويعتمد "التيار الصدري" على تنظيمه الداخلي وتماسكه الاجتماعي، مع الاستمرار في النشاط الديني والخيري والتوعوي، دون الانخراط في مفاصل السلطة التنفيذية أو التشريعية.

ويُنظر إلى هذه الترشيحات على أنها تعبير غير مباشر عن رغبة بعض القواعد الصدرية في العودة إلى دائرة الفعل السياسي، سواء عبر قوائم مستقلة أو من خلال التحالف مع كيانات صغيرة، في محاولة للبقاء داخل المشهد الانتخابي دون الاصطدام المباشر بموقف زعيم التيار، الذي أصدر سريعًا قوائم للبراءة من هؤلاء المرشحين.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC