logo
العالم العربي

عقدان من المحاصصة.. الانتخابات العراقية تكرس حماية النظام والفشل في إنعاش الدولة

شخص يحمل العلم العراقي في العاصمة بغدادالمصدر: (أ ف ب)

بعد إعلان النتائج النهائية لانتخابات 2025، يعود المشهد السياسي العراقي ليؤكد حقيقة راسخة منذ عقدين، وهي أن النظام الذي تشكل بعد 2003 حافظ على نفسه بقوة التوازنات والمحاصصة، لكنه لم ينجح حتى الآن في إنعاش الدولة، أو إخراجها من دائرة الضعف البنيوي.

والانتخابات البرلمانية التي جرت في 11 من الشهر الجاري، وأسفرت عن فوز تحالف "الإعمار والتنمية" بزعامة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بـ46 مقعدًا، أعادت إنتاج الخريطة التقليدية ذاتها، مع صعود القوى الممسكة بمفاصل السلطة منذ سنوات.

أخبار ذات علاقة

المبعوث الأمريكي توماس باراك ووزير الخارجية العراقي فؤاد حسين

بغداد تستغرب تصريحات المبعوث الأمريكي عن الشأن الداخلي العراقي

وجاء تحالف "تقدم" ثانيًا بـ36 مقعدًا، تلاه "الحزب الديمقراطي الكردستاني" بـ30 مقعدًا، ثم "ائتلاف دولة القانون" بـ29 مقعدًا، وصولًا إلى ميليشيا العصائب بـ27 مقعدًا، ومنظمة بدر بـ21 مقعدًا، وتحالف "قوى الدولة" بـ18 مقعدًا، فضلًا عن تحالفَي "عزم" و"الاتحاد الوطني" بـ17 مقعدًا لكل منهما.

ورغم تعدد الأسماء، لا يزال المشهد محكومًا بقيادات الصف الأول ذاتها، التي تتمسك بوزنها داخل المكونات المختلفة دون تغيير جوهري في موازين القوى.

توقعات التغيير

ومنذ أول انتخابات عام 2005، التي مثّلت لحظة ولادة النظام البرلماني الجديد، ظل العراقيون يتناقلون توقعات بإمكانية تغيير الواقع السياسي عبر صندوق الاقتراع، غير أن السنوات اللاحقة كشفت أن بنية النظام الحزبي، وقواعد المحاصصة الطائفية والقومية، ظلت تتقدم على إرادة الناخب، وتعيد إنتاج طبقة سياسية واحدة مهما اختلفت الظروف.

وفي خلفية هذه الدورة الانتخابية، عاد النقاش إلى بنية النظام السياسي نفسه، الذي تشكل بعد سقوط الدولة العراقية ومؤسساتها عام 2003، إذ يوضح الباحث والأكاديمي خالد العرداوي، أن وضع العراق بعد ذلك التاريخ "كان شائكًا للغاية، فقد سقطت الدولة العراقية بغزو خارجي قضى على ميراثها المؤسساتي والأمني والعسكري، ولم تُحفظ الجوانب الإيجابية الضامنة لمصالح الدولة والمجتمع".

وأضاف العرداوي لـ"إرم نيوز"، أن "عملية إعادة التأسيس جرت من دون مشروع دولة واضح، وفي ظل قيادات قصيرة الرؤية، ومناخ من الخوف والاستئثار، ما أدى إلى ولادة دستور مثقل بالثغرات، ونظام محاصصة يقوم على تقاسم النفوذ لا بناء المؤسسات".

تعثر الأداء الحكومي

ووفق مراقبين، فإن نتائج 2025 لم تخرج عن هذا الإطار، إذ بقيت الاتجاهات العامة ثابتة، وهي شيعية تقودها قوى الإطار بمختلف تحولاته، وسنية قوى مختلفة، وكردية تنقسم بين الحزبين التقليديين (الديمقراطي والاتحاد).

ويرى مختصون أن تلك الثغرات كان لها أثر مباشر على الأداء الحكومي خلال العشرين عامًا الماضية؛ إذ ولدت حكومات تتعثر في الإدارة والتنفيذ، وتميل إلى ترحيل الأزمات بدل معالجتها، في وقت توسع فيه التدخل الإقليمي والدولي على حساب استقلال القرار الوطني.

وعلى الأرض، تؤشر نتائج 2025 لاستمرار الهوة بين النظام السياسي والمجتمع، إذ شهدت بغداد والبصرة والموصل طوال الأسابيع الماضية نقاشات لافتة حول جدوى الانتخابات، وسط شعور عام بأن التجربة لم تُنتج تحديثًا فعليًا لمؤسسات الدولة.

وتشير بيانات المفوضية إلى أن مؤشرات المشاركة وتوجهات الشارع تعكس تراجع الحماسة من غير الجمهور التقليدي للأحزاب مقارنة بمحطات سابقة، خصوصًا بعد تجربة احتجاجات عام 2019 وما رافقها من مطالب بإصلاح جذري للمسار السياسي.

التوافق فوق الدستور

وفي هذا السياق، يوضح رئيس المركز العراقي للإعلام في واشنطن، نزار حيدر أن النظام "فشل في بناء دولة مستقلة ومستقرة، لأن القوى السياسية اتجهت إلى جعل التوافق فوق الدستور والقانون، ما أدى إلى تعطيل آليات التداول الحقيقي للسلطة، وتوسع نفوذ الفصائل، وتعدد مراكز القرار".

ويشير حيدر في حديثه لـ"إرم نيوز" إلى أن "غياب الالتزام بالدستور فتح الباب أمام التدخلات الإقليمية والدولية، وسمح بظهور دولة عميقة وهيمنة السلاح، وهو ما أجهض محاولات بناء دولة قادرة على فرض سيادتها".

ومع ذلك يرى مراقبون أن النظام احتفظ ببعض عناصر الصمود خلال العقدين الماضيين، مثل استمرار التداول السلمي للسلطة، واتساع مساحة التعبير، وإجراء الانتخابات في مواعيدها، لكن تلك المكاسب تظل غير كافية أمام حجم الإخفاقات المتراكمة، التي تركت آثارًا واضحة على المجتمع والاقتصاد ومستقبل الاستقرار السياسي.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC