رجّح خبراء في العلاقات الدولية والأمن الإقليمي أن يضع الاعتداء الانتحاري الذي تبناه تنظيم داعش على كنيسة في العاصمة السورية دمشق، ملف العقوبات الغربية، وتحديدًا الأوروبية، على طاولة النقاش مجددًا.
وفي أول رد فعل دولي، أعلنت فرنسا تضامنها الكامل مع الشعب السوري، مؤكدة رفضها للإرهاب وأعادت تأكيد دعمها لاستقرار سوريا وسيادتها.
لم يكن تفجير كنيسة "مار إلياس" في قلب دمشق عملاً إرهابيًا مروعًا فقط، بل أيضًا رسالة استراتيجية من تنظيم داعش بأنه ما زال قادرًا على الوصول إلى أهداف نوعية في مناطق يُفترض أنها محصنة. هذا الحادث يعيد تسليط الضوء على هشاشة الوضع الأمني في سوريا رغم التغيرات السياسية، ويضع ملف "مكافحة الإرهاب" في واجهة العلاقات الدولية مع دمشق، بحسب شبكة "سي.نيوز" الفرنسية.
ووفقاً للشبكة الفرنسية، فإن الرد الفرنسي الفوري، الذي تضمن إدانة صريحة وتقديم التعازي والدعوة إلى السلام، لم يخلُ من إشارات سياسية دقيقة.
فلم تكتفِ وزارة الخارجية الفرنسية بالإدانة، بل تحدثت عن "رغبة السوريين جميعًا – على اختلاف انتماءاتهم – في العيش بأمن وسلام"، وأضافت عبارة لافتة حول "دعم سوريا موحدة ومستقرة وذات سيادة"، وهو ما يفتح الباب أمام تأويلات.
هل يعني ذلك أن فرنسا، وربما شركاءها الأوروبيين، قد يكونون على استعداد لإعادة تقييم استراتيجيتهم تجاه دمشق، ولو من باب الضرورة الأمنية؟ خصوصًا أن البيان أشار إلى الاستعداد لتقديم "أي دعم ضروري" للسلطات السورية في مكافحة الإرهاب.
وقال فريدريك بيشون، خبير في الشؤون المشرقية، وباحث في جامعة ليون، ومؤلف كتاب "سوريا: لماذا أخطأنا؟"، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، إن الهجوم الإرهابي الذي ضرب كنيسة مار إلياس يشكّل "جرس إنذار مزدوجاً" للأوروبيين، ويعزز قناعاته القديمة بأن سياسة العزل والعقوبات الشاملة المفروضة على دمشق فشلت في تحقيق أهدافها، بل أسهمت في إضعاف الدولة السورية على نحو خطير سمح بإعادة تمدد الجماعات الإرهابية، كداعش.
واعتبر بيشون أن ما حدث في دمشق ليس مجرد عمل إرهابي منفصل، بل نتيجة مباشرة لفشل المجتمع الدولي في دعم استقرار سوريا"، مؤكدًا أن هناك ميلا أوروبيا متزايدا، وإن بقي في الظل، إلى إعادة النظر في فكرة أن العزلة الكاملة للنظام السوري قد تكون لها كلفة أمنية عالية على أوروبا نفسها.
ورأى أن استمرار إضعاف الدولة السورية تحت ذريعة العقوبات يخلق فراغاً أمنياً وسياسياً لا يملؤه سوى أمراء الحرب أو الإرهابيين.
ويتابع بيشون: "تأمين الأقليات الدينية، وحماية البنية الاجتماعية السورية، يتطلبان تعاوناً واقعياً مع السلطات السورية، ولو بحده الأدنى. الاعتداء على كنيسة في قلب العاصمة ليس فقط تهديداً محلياً، بل رسالة موجهة أيضاً إلى الحضور المسيحي في الشرق، وهو ما يُحرج فرنسا، التي تُعد نفسها تاريخياً حامية للمسيحيين في الشرق الأوسط".
وأشار إلى أن فرنسا لن ترفع العقوبات فوراً، هذا مؤكد، لكننا أمام لحظة مفصلية تفرض على الدبلوماسية الفرنسية أن تُفرّق بين العقاب السياسي وبين الضرورة الاستراتيجية. والتنسيق الأمني، وفتح قنوات خلفية، قد يصبحان واقعاً لا مفر منه، خصوصاً إذا تصاعد التهديد الإرهابي مجدداً".
من جهته، قال فابريس بالانش، أستاذ الجغرافيا السياسية في جامعة ليون 2، لـ"إرم نيوز": "إن الاعتداء الإرهابي في دمشق "مهول ومأساوي، لكن لا ينبغي أن يُستغل كذريعة لإعادة تأهيل نظام فقد شرعيته منذ زمن"، على حد تعبيره.
واعتبر بالانش أن "تنظيم داعش يستغل الثغرات الأمنية، وهذا لا يبرّر بأي حال من الأحوال إعادة فتح أبواب التعاون مع نظام لطالما استخدم ذات الأدوات القمعية التي أسهمت في صعود الإرهاب من البداية. إذا كان الهجوم رسالة، فهي موجهة إلى النظام أولاً، الذي لم ينجح في ضمان الأمن حتى في عاصمته. كيف يُمكن لقوة خارجية كفرنسا أن تعده شريكاً موثوقاً في مكافحة الإرهاب؟".
وأضاف أن "الاعتداء لا يجب أن يُقابل بتقارب سياسي، بل بتكثيف العمل الدولي لإيجاد حل سياسي حقيقي في سوريا. أي تراجع أوروبي في ملف العقوبات دون إصلاح سياسي جوهري سيكون بمثابة ضوء أخضر لاستمرار القمع، ما يخلق بيئة أكثر خصوبة للتطرف".
ورأى بالانش أنه "إذا كانت أوروبا معنية فعلاً بأمنها، فعليها أن تدعم المؤسسات الأمنية السورية الشرعية القادمة من انتقال سياسي، لا تلك التي تستخدم الإرهاب كوسيلة للشرعنة. إن تسويق العودة للتطبيع تحت راية محاربة داعش مجرد تكرار لأخطاء الماضي".