logo
العالم العربي
خاص

البرهان يفتح أبواب بورتسودان لإيران.. "حسابات بحرية" لتدارك الانهيار الميداني

البرهان والسفير الإيرانيالمصدر: أرشيفية

يعكس الانفتاح العلني لحكومة بورتسودان على إيران، عبر ميناء بورتسودان، مساراً سياسياً تتخذه سلطة عبد الفتاح البرهان في مرحلة تضييق إقليمي متزايد وتراجع في هامش المناورة.

هذا القرار يصدر عن سلطة عسكرية تبحث عن شركاء قادرين على توفير دعم سياسي ومالي من دون كلفة دبلوماسية مرتفعة، في ظل تصاعد خسائرها العسكرية والسياسية.

مصدر دبلوماسي إقليمي مطّلع يقول لـ"إرم نيوز" إن طهران تتعامل مع ميناء بورتسودان باعتباره موقعاً سياسياً متقدّماً في البحر الأحمر، يسمح لها بالحضور واختبار ردود الفعل الإقليمية ضمن هامش محسوب، بعيداً عن ساحات الضغط التقليدية. 

في المقابل، ينظر الفريق المحيط بالبرهان إلى هذا الانفتاح كأداة قصيرة الأمد لتخفيف العزلة وتأمين قنوات دعم خارج الإطارين الغربي والخليجي، حتى لو جاء ذلك على حساب إدخال السودان في حسابات إقليمية أعقد.

أخبار ذات علاقة

هجوم حوثي سابق على سفينة في البحر الأحمر

من بورتسودان إلى اليمن.. خطط إيران لإسناد الحوثيين تهدد بتفجير البحر الأحمر

حسابات طهران في بورتسودان

ويضيف المصدر الدبلوماسي أن زيارة الوفد الملاحي الإيراني هي عودة سياسية إلى ملف تغيّرت شروطه جذرياً منذ تعليق الخط الملاحي العام 2018. 

ويتابع أن ما يثير اهتمام طهران في المرحلة الراهنة هو التحولات التي طرأت على آليات إدارته، مشيراً إلى أن الأرصفة التي كانت تخضع سابقاً لإجراءات تشغيل ورقابة أكثر انضباطاً، باتت اليوم تُدار في سياق مختلف، حيث تقلّ مستويات التدقيق، وتتسع هوامش التفاهمات غير المعلنة. 

وبرأي المصدر، فإن هذا التحول هو العامل الأساسي الذي أعاد بورتسودان إلى الحسابات الإيرانية.

وجاءت زيارة الوفد الملاحي الإيراني إلى ميناء بورتسودان في توقيت لافت، وسط تصاعد الحديث عن محاولات إيرانية لتوسيع حضورها البحري خارج نطاق الخليج، وفي لحظة يعيش فيها السودان واحدة من أكثر فتراته هشاشة على مستوى السلطة المركزية. 

الزيارة، التي جرى الإعلان عنها بصفة فنية وتجارية، تمحورت رسمياً حول بحث إمكانية تشغيل خط ملاحي مباشر بين الموانئ الإيرانية وبورتسودان، وتقييم الجوانب التشغيلية واللوجستية للميناء.

وبحسب التقارير الرسمية الصادرة، فقد التقى الوفد الإيراني بمسؤولين في هيئة الموانئ البحرية، وناقش سبل "تنشيط حركة النقل البحري" و"تعزيز التعاون التجاري"، من دون الإعلان عن توقيع اتفاقات ملزمة أو تحديد جدول زمني واضح لبدء التشغيل. 

هذا الغموض في النتائج، مقابل وضوح الزيارة بحد ذاتها، فتح باب التساؤلات حول طبيعة الأهداف الفعلية للتحرك الإيراني.

سياسة التدرّج الإيرانية

ويكشف المصدر الدبلوماسي أن النقاشات التي جرت خلال الزيارة تركزت على إمكانية الحفاظ على حركة بحرية محدودة في بيئة غير مستقرة، مع الأخذ في الاعتبار حساسية أي حضور إيراني معلن في البحر الأحمر. 

ويشير إلى أن الجانب الإيراني طرح سيناريوهات تشغيل منخفضة الظهور، تعتمد على ترتيبات مرنة تسمح بالعمل من دون إثارة انتباه سياسي أو إعلامي واسع.

ويضيف أن الوفد الإيراني تعامل مع ملف بورتسودان بوصفه اختباراً أولياً لحدود الحركة الممكنة، وليس كمشروع مكتمل الأركان، لافتاً إلى أن طهران تعتمد في مثل هذه الحالات على سياسة التدرّج، حيث تُبقي خياراتها مفتوحة، وتراقب ردود الفعل قبل الانتقال إلى مراحل أكثر تقدماً. 

وبحسب المصدر، فإن هذه المقاربة تعكس إدراكاً إيرانياً بأن الظروف الحالية في السودان تتيح فرصاً لم تكن متاحة في السابق، لكن من دون ضمانات كافية للاستثمار طويل الأمد.

وحول موقف سلطة عبد الفتاح البرهان، يقول المصدر إن الانفتاح على إيران يجري في إطار ضيّق، ومن دون نقاش مؤسسي، مضيفاً أن الفريق المحيط بالبرهان ينظر إلى هذا المسار باعتباره قناة محتملة لتخفيف العزلة السياسية والاقتصادية، أكثر مما يراه خياراً استراتيجياً مدروساً. 

ويتابع أن هذا النمط من إدارة السياسة الخارجية يضعف قدرة السودان على التحكم بمآلات التفاهمات، ويجعل أي التزام، ولو كان محدوداً، قابلاً للتوسّع خارج نطاق السيطرة.

ويختم المصدر بالقول إن طهران تدرك أن المخاطر الحقيقية لأي تعثّر في هذا المسار ستقع على الجانب السوداني، لا عليها، وهو ما يفسر براغماتيتها العالية في التعامل مع الملف، مقابل استعجال واضح لدى السلطة العسكرية في بورتسودان لفتح أية قنوات دعم.

نقطة ارتكاز لوجستية

في المقاربة الإيرانية، يُنظر إلى البحر الأحمر باعتباره ساحة يمكن فيها توسيع هامش الحركة السياسية والأمنية بعيداً عن مراكز الضغط التقليدية، وفق ما أشارت مصدر دبلوماسية غربية، فخلال السنوات الأخيرة، واجهت طهران ضغطاً متزايداً على تحركاتها العدوانية والمهددة للاستقرار في الخليج، سواء على مستوى المراقبة البحرية أو على مستوى القيود الدبلوماسية المرتبطة بالعقوبات. 

هذا الواقع دفع إيران إلى البحث عن فضاءات أقل انضباطاً، حيث تتراجع قدرة القوى الدولية على فرض قواعد اشتباك واضحة.

وفي هذا السياق أشارت مصادر دبلوماسية غربية تتابع ملف أمن البحر الأحمر، لـ"إرم نيوز"، إلى أن التفكير الإيراني ينطلق من فرضية أساسية مفادها أن البيئات غير المستقرة سياسياً، تشكّل مدخلاً مناسباً لطهران من أجل بناء حضور تدريجي يصعب تفكيكه لاحقاً، حيث يمكن العمل فيه عبر ترتيبات غير معلنة، وبعيدة عن الأطر الرسمية الصلبة التي تفرضها الدول المستقرة، فالمقاربة الإيرانية هنا ليست جديدة، إذ هي امتداد لسلوك سبق اختباره في موانئ وممرات أخرى في القرن الأفريقي.

واعتبرت المصادر أن الهدف الإيراني لا يرتبط بتوسيع حركة الاستيراد أو التصدير، وإنما يتركز فقط في إيجاد نقطة ارتكاز لوجستية تسمح لطهران بالحفاظ على خط تواصل بحري غير خاضع بالكامل للرقابة الغربية، في منطقة تشهد تصاعداً في التنافس الدولي.

حسابات إيران ومأزق البرهان

ويتمحور الحديث داخل الدوائر الدبلوماسية الأوروبية حول تحركات ومساعي طهران لاستثمار قدرة موقع بورتسودان على توفير هامش حركة سياسي وأمني، سواء لجهة المرور البحري أو لتأمين قنوات اتصال غير مباشرة مع شبكات إقليمية.

في المقابل، لا يمكن فهم انفتاح بورتسودان على إيران بمعزل عن مأزق عبد الفتاح البرهان نفسه. 

البرهان الذي يواجه عزلة سياسية متزايدة، وضغوطاً دولية، وانهياراً اقتصادياً، يتعامل مع السياسة الخارجية بوصفها أداة لتأمين الدعم. فإيران، بالنسبة إليه، ليست شريكاً استراتيجياً بقدر ما هي طرف مستعد للتعامل دون شروط سياسية، وفي توقيت يحتاج فيه البرهان إلى أي مظلة خارجية. 

أخبار ذات علاقة

السفير الإسرائيلي السابق لدى مصر، حاييم كورين

سفير إسرائيلي سابق: قوات بورتسودان تحالفت مع "الشيطان" بعد رفضنا تسليحها

مصدر دبلوماسي إقليمي يشير إلى أن قنوات التواصل بين الجانبين تتم بعيداً عن الأطر الرسمية المعروفة، وأن الغموض الذي يحيط بطبيعة التفاهمات مقصود، لتجنّب إثارة حساسية دول إقليمية فاعلة في البحر الأحمر.

رغم عدم الإعلان عن اتفاقات رسمية، فإن مجرد إدخال ميناء بورتسودان في حسابات إيرانية أوسع؛ يضع السودان أمام مسار جديد يصعب ضبطه، حيث تشير التجارب السابقة إلى أن مثل هذه الترتيبات، حتى حين تبدأ بخطوات محدودة، غالباً ما تتوسع تدريجياً، مستفيدة من غياب الشفافية ومن ضعف القدرة المؤسسية على المراجعة والتصحيح.

أزمة سلطة البرهان

من جهته يرى الباحث السوداني مأمون عبد الرحمن، خلال حديثه لـ"إرم نيوز" أن ما تشهده بورتسودان اليوم يعكس طبيعة سلطة البرهان التي استقرت فيها أكثر مما يعكس توجهاً مدروساً للسياسة الخارجية السودانية. 

ويشير إلى أن سلطة عبد الفتاح البرهان تدير الميناء باعتباره مركز قرار سياسي بديلا في ظل انهيار مؤسسات الدولة.

ويضيف أن الانفتاح على إيران يندرج ضمن نمط أوسع من إدارة الأزمة، يعتمد على البحث عن أطراف مستعدة للتعامل مع سلطة الأمر الواقع في بورتسودان من دون شروط سياسية أو التزامات طويلة الأمد. 

هذا النمط، بحسب عبد الرحمن، يراكم تفاهمات ظرفية تُستخدم لتخفيف الضغط الآني، فيما تُترك تبعاتها السياسية والاقتصادية لمراحل لاحقة.

ويخلص إلى أن بورتسودان، في ظل هذا المسار، باتت ورقة تفاوض بيد سلطة عسكرية منهارة تسعى إلى تثبيت موقعها في لحظة اضطراب داخلي عميق. 

أخبار ذات علاقة

الحوثيون على أبواب إفريقيا.. هل تتحول بورتسودان إلى "قاعدة العمليات السرية"؟

الحوثيون على أبواب أفريقيا.. هل تتحول بورتسودان إلى "قاعدة العمليات السرية"؟

مخاطر الحضور الإيراني

بدوره، اعتبر ريتشارد هاملتون، الخبير البريطاني المتخصص في الشؤون الأفروآسيوية، أن الموانئ الواقعة في دول تعاني ضعفاً مؤسسياً مثل السودان من المؤكد أنها ستُستخدم غالباً كنقاط دعم لوجستي غير معلن، تتيح لإيران هامش حركة بعيداً عن الرقابة الصارمة، من دون الحاجة إلى إعلان وجود رسمي يفرض كلفة سياسية فورية.

وحذّر هاملتون خلال حديثه لـ"إرم نيوز" من أن بورتسودان قد يتحول، مع مرور الوقت، إلى مساحة تُستثمر لتسهيل أنشطة مرتبطة بالمشروع الإيراني في المنطقة، سواء عبر حركة بحرية يصعب تتبعها، أو عبر توفير قنوات تواصل غير مباشرة مع شبكات إقليمية فاعلة.

وبرأيه، فإن الخطورة تكمن في أن هذا النوع من الاستخدام يتقدم بخطوات محسوبة تستفيد من غياب سلطة قادرة على فرض سيطرة كاملة على الميناء. 

ويضيف أن أي تطور في هذا الاتجاه ستكون كلفته الإقليمية أعلى من حجمه الظاهر، لأن البحر الأحمر يحتمل توتراً إضافياً أكثر مما يحتمل صداماً مفتوحاً.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC