حمل العام 2025 تطورات ميدانية لافتة في مسار الحرب السودانية؛ إذ مثّل مرحلة مفصلية لطرفي الصراع في محاولة لصياغة خريطة ميدانية لتغيير موازين القوى في عدد من الأقاليم، في ظل مواجهات عنيفة حول مواقع استراتيجية؛ ما جعل هذا العام علامة فارقة في إعادة تشكيل المشهدين العسكري والسياسي العام وسط استمرار المعارك ما بين حصار وكرّ وفرّ.
وخلال العام تصاعدت وتيرة المعارك واتسعت رقعتها، بالتزامن مع لجوء قوات بورتسودان إلى مرتزقة من خارج السودان للقتال إلى جانبها، لتعويض الخسائر والأهم فك الطوق عن بعض المناطق المحاصرة وسط اشتداد الضغوط على أكثر من محور.
وتجلت هذه التحولات منذ بداية العام، مع خسارة قوات بورتسودان مناطق استراتيجية أبرزها الفاشر وبابنوسة وحقل هجليج وبرنو ومناطق أخرى من إقليمي دارفور وكردفان، وسط معارك اتسمت بطول أمدها، لا سيما مع التحول من الجيوب إلى المناطق والمدن الحيوية كما في الفاشر التي تعرضت لحصار خانق لمدة ثلاث سنوات حتى تحريرها في أكتوبر 2025، لتخرج من سيطرة قوات بورتسودان بعد انقطاع خطوط الإمداد وتراجع القدرة الدفاعية؛ ما فتح المجال أمام قوات الدعم للتمدد العسكري إلى ما بعد الفاشر.
واستمرت المعارك بين الجانبين بعد الفاشر، وصولاً إلى مدينة النهود التي كانت تشكل مركزاً دفاعياً محصناً لقوات بورتسودان، حيث شهدت بدورها معارك عنيفة لتخسرها قوات بورتسودان في مايو 2025، كما شكلت مدينة بابنوسة بدورها أحداثاً كبيرة سقطت بعد حصار طويل انتهى بخسارتها أيضاً في ديسمبر الماضي، وصولاً إلى منطقة علوبة شمال كردفان في ديسمبر؛ إذ كانت مسرح نزاع محتدم بين الجانبين، لا سيما وأن السيطرة على هذه المنطقة كان لها الأثر الكبير على قطع أحد اهم خطوط الإمداد تجاه مدينة الرهط والطريق الرابط بمدينة الأبيّض الاستراتيجية وسط البلاد.
وأسوة بالشمال، لم يكن جنوب كردفان بمنأى عن المعارك، ففي عام 2025 تحول الصراع إلى قتال عنيف للسيطرة على مواقع مهمة؛ إذ عملت قوات الدعم السريع عبر حصار مدينة كادوقلي على استنزاف قوات بورتسودان بعد قطع كل طرق الإمداد، لتسيطر على مدينة برنو شرقي كادوقلي؛ ما جعل الأخيرة بحكم الساقطة عسكرياً، ومع ذلك لا تزال قوات بورتسودان متمركزة في المدينة رافضة الانسحاب رغم محاولات المجتمع الأهلي للاستسلام من دون قتال، بينما شكل حقل هجليج النفطي النقطة الفاصلة في هذا الصراع، حيث خسرت بورتسودان مصدر تمويل مهما وحيويا، فقدت معه أي فرصة عودة إلى ما قبل هذا الصراع.
وعلى صعيد التكتيكات العسكرية، تطورت أساليب قتال غير معهودة، ففي هذا العام استخدم الجانبان الطيران المسير بكثافة، لا سيما في المناطق القريبة من خطوط التماس؛ ما دفع الدعم السريع إلى اتباع أسلوب القضم السريع لبعض المناطق منعاً لأي خروقات من خلال استهداف منصات الإطلاق.
ويقول الخبير العسكري والاستراتيجي، اللواء النور حسن حمدان المستشار الأمني والعسكري للجبهة الثالثة "تمازج" إن قوات الدعم السريع بدأت القتال على محور منطقة الفاشر وتم حصارها لأكثر من ثلاثة أعوام متتالية.
ويضيف حمدان في حديثه لـ"إرم نيوز" أن قوات الدعم السريع قامت هذا العام باتباع استراتيجية الضغط والهجوم والحصار المحكم على مدينة الفاشر، لافتاً إلى قطع الإمداد عنها وعزلها إلى أن سقطت عسكرياً وتم السيطرة عليها.
وأشار حمدان إلى أن قوات الدعم السريع استخدمت الاستراتيجية ذاتها التي اتخذتها في مدينة الفاشر، في بابنوسة، لا سيما بعد تعنت قوات بورتسودان في الفرقة 22 التي سقطت سقوطاً مدوياً، بعد أن قامت قوات الدعم السريع بضربهم مع إحكام الحصار وقطع خطوط الإمداد.
واختتم حمدان حديثه بالتأكيد على أن إطباق السيطرة على أهم الأقاليم السودانية اقترب من نهايته وهذا كله تحقق في العام 2025، في وقت انكسرت فيه قوات بورتسودان وأصبحت تعيش في عزلة ولا تريد الاعتراف؛ ما أدى لانسحاب بعض مرتزقتها التي تقاتل إلى جانبها، كما حدث مع مليشيات إريترية كانت تقاتل إلى جانب قوات بورتسودان، وسلّمت أكثر من 200 مقاتل من عناصرها إلى جيش تحرير الأورومو في إثيوبيا.