يرى سياسيون عراقيون ومختصون أن مسار اختيار رئيس الوزراء لا يتوقف عند ما يقرره "الإطار التنسيقي"، بل يتقاطع عملياً مع ميزان قبول سني كردي يحدد سقف التوافقات ويمنح حق التعطيل أو التسهيل في لحظة التسمية الحاسمة.
وخلال الأيام الماضية، لم يُطرح اسم محدد بشكل رسمي لمنصب رئاسة الوزراء، لكن لهجة الخطاب داخل "البيت السني" بدت وكأنها تضع خطوطاً حمراء مبكرة، بالتوازي مع تصاعد النقاشات حول شكل الحكومة المقبلة، وطبيعة العلاقة بين الدولة والفصائل، ومعادلة "حصر السلاح" بوصفها عنواناً تفاوضياً.
وفي هذا السياق، خرجت تصريحات لافتة للقيادي في التحالف السني الأكبر عبد الخالق العزاوي، الذي تحدث عن تأسيس "المجلس السياسي الوطني" لتوحيد الموقف السنّي.
وكانت الخلافات في دورات سابقة تُضعف قدرة المكون على التفاوض، خصوصاً في ملفات حساسة مثل قانون العفو العام، وما يرتبط بالاستحقاقات السياسية والأمنية التي يطمح المجلس لتثبيتها ضمن ورقة تفاوضية واحدة.
وبحسب ما طُرح في أروقة المجلس، فإن الاتجاه يمضي نحو تشكيل لجنة تفاوضية تتولى إدارة الحوار مع الكتل الأخرى، أو إنشاء لجنة لاختيار أسماء مسبقاً، بالتوازي مع مساعٍ لإخراج المكوّن السني بمرشح واحد لرئاسة البرلمان، تجنباً لتكرار سيناريو تعدد المرشحين ثم الذهاب إلى التصويت الداخلي الذي كان يستنزف الموقف ويبعثر أوراقه سياسياً.
وقال العزاوي في تصريح متلفز: "نؤيد حل الفصائل التي ليست من ضمن هيئة الحشد الشعبي، ونطالب بحصر السلاح بيد الدولة، ونرفض أن يتسنم شخص من الفصائل رئاسة الوزراء، وهيئة الحشد شُكّلت بقانون ولها شرعية داخل البلد ومن يريد حلها فيجب تشريع قانون والتصويت عليه".
بدوره، قال القيادي في حزب "تقدم" (36 مقعداً)، عمار الجميلي، إن "الفاعل السياسي السني له دور كبير في عملية اختيار رئيس الوزراء، ولا يمكن أن تمضي القوى السياسية الشيعية بتمرير أي مرشح لها لرئاسة الوزراء دون الضوء الأخضر السني الكردي".
وأكد أن هذا هو "الأساس الذي قامت عليه العملية السياسية الحالية، وهو التوافق بين القوى على اختيار مرشحيها للمناصب الرئاسية الثلاثة".
وأضاف الجميلي لـ"إرم نيوز" أن "هذا التوافق لا يُفهم بوصفه تعطيلًا دائماً، بل بوصفه آلية توازن تفرض على أي مرشح مقبل أن يقدّم تطمينات واضحة بشأن إدارة الدولة، وتوزيع الاستحقاقات، وضمان الشراكة داخل المؤسسات".
وبالمقابل، تبرز الحسابات الكردية بوصفها شريكاً مكملاً في معادلة القبول، إذ ترتبط مواقف أربيل عادةً بحزمة ملفات تفاوضية تشمل العلاقة المالية والنفطية، وصلاحيات الإقليم، وترتيبات المناصب السيادية.
وأضاف أن هناك أيضا اشتراطات سياسية متعلقة بالاستقرار الداخلي وإنهاء ملفات حاسمة مثل قانون النفط والغاز، وكذلك رواتب الموظفين، ومعالجة ملف المناطق المتنازع عليها.
وفي تقدير متابعين، فإن "الفيتو" هنا لا يكون مباشراً على الأسماء بقدر ما يكون على "السلوك السياسي" للمرشح، وقدرته على بناء تفاهمات مسبقة، وطمأنة الشركاء، وتقديم صيغة حكم لا تُشعر أي مكون بأنه خارج المعادلة، خصوصاً في مرحلة تتسع فيها الضغوط الإقليمية والدولية، وتتقلص فيها هوامش المناورة أمام أي حكومة جديدة.
بدوره، رأى الباحث السياسي علي ناصر أن "تأثير الأحزاب السنية والكردية يرتبط بمسألة التوافقية، ويجب أن يكون رئيس مجلس الوزراء المقبل متوافقاً عليه ومقبولاً داخلياً قبل أن يكون مقبولاً إقليمياً ودولياً".
وأضاف ناصر لـ"إرم نيوز" أن "رئيس مجلس الوزراء يخرج من عباءة الإطار التنسيقي بوصفه الكتلة الأكبر، لكن ذلك لا يلغي التشاور والتفاهمات مع القوى السنية والكردية، باعتبار أن المطلوب في النهاية رئيس حكومة يعمل للعراق لا لمكون بعينه".
ومع تشكيل الحكومات المتعاقبة، تضع القوى السنية جملة شروط ضمن المنهاج الحكومي مقابل منح الثقة، تتكرر في معظم الدورات البرلمانية مع اختلاف السياقات، وتتركز عادة على ملفات تعتبرها "ضمانات شراكة" أكثر من كونها مطالب ظرفية.
وتشمل هذه الشروط ملف النازحين وإغلاقه بشكل نهائي عبر التعويضات وإعادة الإعمار، وإنهاء الوجود المسلح غير الرسمي داخل المحافظات، لا سيما إخراج الحشود العشائرية من المناطق التي تشهد نفوذاً للفصائل.
كما تشمل تحقيق توازن فعلي داخل مؤسسات الدولة المدنية والأمنية، ومنح المكون استحقاقاته في المناصب والحقائب وفق نتائج الانتخابات والتفاهمات السياسية، بما يضمن، بحسب قادة سنة، عدم تهميش دورهم في إدارة الدولة خلال المرحلة المقبلة.