تتقاطع الاجتماعات المتلاحقة داخل الإطار التنسيقي مع موجة تكهنات حول مستقبل اختيار رئيس الوزراء العراقي، وسط حديث عن اتساع الخلافات الداخلية، الأمر الذي أعاد إلى الواجهة سؤالًا ظل مؤجلًا خلال السنوات الماضية، بشأن عودة مرجعية النجف إلى لعب دور سياسي في لحظة الانسداد.
وجاء تمسك ائتلاف الإعمار والتنمية برئاسة محمد شياع السوداني بترشيحه الوحيد، ليضيف طبقة جديدة من التعقيد، بعدما أعلن الائتلاف أن السوداني يمثل "الكتلة الأكبر داخل الإطار" والأكثر عددًا برلمانيًا، في إشارة ضمنية إلى رفض أي اسم بديل.
وتزامن هذا الموقف مع اجتماع موسع عقده الإطار في مكتب نوري المالكي مساء أمس، كان مقررًا أن يخرج بمرشح واضح قبل الدخول في مفاوضات الرئاسات، لكن النتائج بقيت معلقة، ما يؤشر، بحسب مراقبين، أن الكتل لم تنجح في تضييق قائمة المرشحين التي تتراوح حاليًا بين 13 و18 اسمًا.
هذا التعثر دفع دوائر سياسية إلى التساؤل حول احتمالات العودة إلى النجف، سواء لطلب المشورة أم لقياس مدى تقبل المرجعية لبعض الأسماء، في تكرار جزئي لمشهد 2014.
ولم تتمكن قوى الإطار التنسيقي حتى الآن من إنتاج صيغة مقبولة لتقليص عدد المرشحين، كما أن الاجتماعات الأخيرة لم تحقق اختراقًا في معايير اختيار رئيس الوزراء، ولا تزال بعض الكتل تصر على أسماء بارزة، فيما تدفع أخرى نحو مرشحين أقل صدامية مع البيئة الإقليمية والدولية.
وبحسب المعلن، فإن الإطار كان ينوي إعلان مرشح أو مرشحين نهائيين بعد اجتماع يوم أمس، لكن التباينات التي طفت خلال الساعات الأخيرة أعاقت، وفق تقارير، الخروج بقرار، ما فتح الباب أمام تجاذبات إعلامية تتحدث عن الاتصال بالنجف.
وفي السياق ذاته، قال الباحث السياسي وائل الركابي، المقرب من قوى الإطار التنسيقي، لـ"إرم نيوز" إن "الحديث عن وجود خلافات أو شقاقات داخل الإطار غير دقيق، بل تدرك كل كتلة أن قوتها تأتي من وحدة الإطار، وأن أي تشظ سيضعف الجميع".
وأوضح أن "الإطار لا ينتظر ردًا من المرجعية بشأن أسماء محددة، لأنها لا تتدخل في عملية اختيار المرشح، بل تقدم نصحًا عامًا وتترك القرار للقوى السياسية".
ومنذ سنوات، أغلقت المرجعية الدينية في النجف أبوابها أمام السياسيين، بعد أن خلصت إلى أن الطبقة الحاكمة ما زالت عاجزة عن معالجة تفشي الفساد وسوء الإدارة وتراكم الأزمات الخدمية والاقتصادية، وعدم معالجة ملف الميليشيات المسلحة، وبذلك توقف مكتب المرجعية عن استقبال الوفود الرسمية والحزبية، في رسالة واضحة بأن النجف لن تمنح غطاء سياسيًا لأي طرف.
من جهته، أكد رجل في حوزة النجف، مقرب من المرجع الأعلى علي السيستاني، أن "المرجعية وحسب المتداول لا تدرس أي تدخل مباشر حاليًا، باعتبار أن المعطيات الحالية لا ترقى إلى مستوى تهديد الأمن الداخلي أو انسداد المسار السياسي، وهي المعايير التي اعتمدتها النجف في تدخلاتها السابقة".
وأضاف رجل الدين الذي طلب حجب اسمه لـ"إرم نيوز" أن "بعض القوى قد تحاول استخدام اسم المرجعية لخلق أفضلية تفاوضية أو لتسويق مرشحها، لكن هذا لا يعكس موقف الحوزة، التي تكرر منذ سنوات أن ترشيح رئيس الوزراء شأن سياسي، وأن دورها يقتصر على التذكير بالمبادئ العامة وحماية السلم الأهلي".
وبرغم سعي النجف الدائم إلى إبقاء نفسها خارج الاشتباك السياسي المباشر، إلا أن تاريخ العملية السياسية يكشف أن تأثيرها كان حاسمًا في محطات معينة.
ففي انتخابات 2005، منح الخطاب الديني زخمًا واضحًا للائتلاف العراقي الموحد، ما ساعد في ترجيح كفته داخل البرلمان الناشئ آنذاك.
وفي عام 2014، ومع اتساع الانهيار الأمني بعد سقوط الموصل، تلقت القوى السياسية رسالة من المرجعية بضرورة تغيير المالكي، الذي أصرّ حينها على تولي الولاية الثالثة، وهو ما أدى إلى التوافق حينها على حيدر العبادي.
وبعد ذلك ظل تأثير النجف يأخذ شكل "الإشارة العامة" أكثر من التدخل المباشر، عبر التشديد على ضرورة اختيار شخصية غير خلافية في 2018، والدعوة الواضحة إلى استقالة الحكومة إبّان احتجاجات 2019 من دون طرح اسم بديل، وصولًا إلى موقفها الأكثر صرامة في 2022 عندما أغلقت الباب أمام جميع الوفود السياسية.
وفي ظل الوضع الحالي يبدو أن خلافات الإطار تمنح مشهد الترشيح مزيدًا من التعقيد، إذ يحظى السوداني بدعم قوي من ائتلافه، لكن قوى أخرى داخل الإطار لا تزال تدفع باتجاه خيارات مختلفة، بعضها يرتبط بحسابات النفوذ الداخلي، وبعضها الآخر يضع في الاعتبار المواقف الإقليمية المتصلة بهوية رئيس الحكومة.