logo
العالم العربي

توجهه شبكة نفوذ معقدة.. ما هو "الإطار التنسيقي" الحاكم الفعلي في العراق؟

مشهد من بغدادالمصدر: (أ ف ب)

رغم حداثة اسم "الإطار التنسيقي" الذي تشكّل رسميًا عام 2021، إلا أن جذوره تمتد أعمق بكثير داخل المشهد الشيعي، بدءًا من تجربة "الائتلاف العراقي الموحّد" عام 2005، حين اجتمعت القوى الشيعية للمرة الأولى على طاولة سياسية واحدة لإدارة مرحلة ما بعد صدام حسين.

ومع مرور السنوات، تحول هذا الائتلاف إلى صيغ متعددة، قبل أن يستقر في نسخته الأخيرة تحت اسم "الإطار التنسيقي"، الذي بات اليوم الكتلة الأكثر تأثيرًا في صناعة القرار العراقي، كما أصبح الجهة التي تدور حولها كل مفاوضات اختيار رئيس الحكومة.

أخبار ذات علاقة

محمد شياع السوداني يتحدث أثناء تجمع انتخابي

صراع مبكر على الحكومة.. "الإطار التنسيقي" يطرح 3 مرشحين لخلافة السوداني

منذ 2021، أخذ الإطار شكله الحالي بعد انضمام القوى الشيعية التي رفضت نتائج انتخابات ذلك العام، ثم تطور إلى تحالف عريض يضم ائتلاف "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، ومنظمة بدر بقيادة هادي العامري، وعصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي، وتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، إضافة إلى فالح الفياض وتحالفات سياسية أصغر، قبل أن ينضم إليه لاحقًا تحالف "الإعمار والتنمية" بزعامة محمد شياع السوداني.

ورغم هذا الامتداد التنظيمي، إلا أن آلية العمل داخل الإطار لا تزال محاطة بدرجة كبيرة من الغموض، فالحوارات لا تجري عبر تصويت معلن، ولا توجد لائحة داخلية تحدد طريقة اتخاذ القرار.

ويقول مطلعون إن “التوافق” هو القاعدة الحاكمة، لكن هذا التوافق لا يأتي نتيجة مفاوضات هادئة بقدر ما هو توازن بين مراكز نفوذ متعددة، فلكل زعيم مساحة تأثير يستمدها من شبكة ارتباطات سياسية وأخرى تنظيمية، وبعضها يرتبط بالفصائل المسلحة التي تمثل شريكًا أساسيًا خلف المشهد.

مراكز القوى والتأثير

ولا يمكن قراءة الإطار بوصفه كتلة موحدة ذات قيادة واحدة، بل كطاولة تضم أكثر من قطب؛ فالمالكي يمسك بمفتاح التأثير السياسي عبر تجربته الطويلة، بينما يحافظ العامري على نفوذ واسع داخل منظومات الحشد الشعبي، فيما يمتلك الخزعلي حضورًا حاسمًا في ملفات الأمن والفصائل، ويقدم الحكيم “الغطاء السياسي” للعلاقات الخارجية والحوارات مع القوى المدنية، بينما صار السوداني قوة قائمة بذاتها بعدما تحولت كتلته الكبيرة إلى رقم لا يمكن تجاوزه في أي معادلة مقبلة.

وهذا التشابك يجعل أي قرار داخل الإطار خاضعًا لمعادلة "فيتو مقابل فيتو"، فالطرف الذي يستطيع التعطيل يصبح أحيانًا أكثر تأثيرًا من الطرف الذي يقترح.

وتوضح مصادر سياسية أن اجتماعات الإطار "لا تُحسم داخل جلسة واحدة"، بل تمر عبر سلسلة من اللقاءات الثنائية بين القادة، يليها اجتماع موسع، ثم العودة إلى غرف أصغر للتوفيق بين ما تم الاتفاق عليه وما اعترض عليه الآخرون.

وفي أغلب الأحيان، تنتهي العملية باختيار شخصية "لا تزعج أحدًا"، حتى لو كان ذلك على حساب معايير الكفاءة أو وضوح البرنامج السياسي.

أخبار ذات علاقة

رئيس مجلس الوزراء العراقي الأسبق

ترشيح المالكي لرئاسة وزراء العراق.. خطوة جدية أم "وصفة" لإبعاد السوداني؟‎

انتقادات واسعة

وهذه الطريقة في اتخاذ القرار كانت سببًا لانتقادات واسعة، خصوصًا بعد أن تحول رئيس الوزراء – في نظر بعض الخبراء – إلى “منصب مقيد” تتحكم به قيود الإطار أكثر مما يتحكم هو بمفاصل الدولة.

ويقول مراقبون إن التجارب السابقة، من مصطفى الكاظمي إلى محمد شياع السوداني، أظهرت هشاشة العلاقة بين الإطار ورئيس الحكومة، إذ يبدأ الدعم قويًا وينتهي سريعًا بمجرد ظهور خلاف حول ملفات حساسة مثل السلاح، أو النفوذ داخل الوزارات، أو العلاقة مع الولايات المتحدة.

بدوره، قال الباحث في السياسات الاستراتيجية كاظم ياور، إن الإطار في صيغته الحالية “أكثر تشتتًا مما يبدو للعلن”، موضحًا أن غياب التنافس الداخلي وغياب التصويت جعلا القرار محصورًا بين مجموعة صغيرة من القادة الذين يمثل كل واحد منهم ثقلًا سياسيًا وميدانيًا مختلفًا.

وأضاف ياور لـ"إرم نيوز" أن "مسار الحسم بات يعتمد على قدرة كل طرف على إقناع الآخرين بأنه الخيار الأقل كلفة، وليس الخيار الأفضل للدولة، وهو ما يعمّق أزمة الشفافية ويجعل المجتمع غير قادر على تقييم الشخصيات المطروحة للمناصب العليا".

ورغم اتساع حجم الإطار التنسيقي ونفوذه، إلا أنه ما يزال يرفض التحول إلى كيان سياسي منظم ذي هيكلية واضحة أو لجان متخصصة تدار وفق نظام داخلي، فلا توجد لديه أمانة عامة، ولا هيئة سياسية معلنة، ولا تحالف موحد يعمل بآليات مؤسسية، كما لا يملك مكاتب رسمية أو طواقم استشارية ثابتة يمكن الرجوع إليها عند اتخاذ القرارات العليا.

ويقتصر الجانب التنظيمي على وجود منسق واحد هو الأكاديمي عباس العامري الذي يتولى ترتيب المواعيد وتنسيق الاجتماعات بين القيادات، فيما تعقد اللقاءات عادة في منازل القادة بالتناوب، بما يشبه عرفًا داخليًا يحرص الإطار على الالتزام به لضمان "الحياد المكاني" وتجنب الإيحاء بوجود مركز قرار واحد.

مواقع التأثير

وتمتلك بعض الأجنحة قدرة على تعطيل الوزارات أو التأثير في الملفات الأمنية، وبعضها يمتلك حلفاء أقوياء داخل المفوضيات والهيئات المستقلة، ما يجعل القرار داخل الإطار سلسلة طويلة من المقايضات التي تبدأ من اسم رئيس الوزراء ولا تنتهي عند توزيع الوزارات أو رسم شكل العلاقة مع أربيل والكتل السنية.

أخبار ذات علاقة

نوري المالكي

رسمياً.. ترشيح نوري المالكي لرئاسة الوزراء العراقية

وهذا النموذج يواجه اليوم، وفق مراقبين، اختبارًا إضافيًا مع اقتراب موعد اختيار المرشح الجديد لرئاسة الحكومة، إذ إن الإطار مطالب بتقديم شخصية تستطيع التعامل مع تحديات متصاعدة، كالضغوط الأمريكية المرتفعة، والاشتباك الداخلي بين القوى الشيعية، ووضع اقتصادي هش يحتاج إلى رئيس وزراء بإمكانه اتخاذ قرارات سريعة وليست مقيدة بالتوازنات الحزبية.

وفي الوقت الذي يناقش فيه "الإطار التنسيقي" أسماء مرشحيه لمنصب رئاسة الحكومة، وبينهم شخصيات لم تُطرح في الإعلام حتى الآن، يواجه هذا المسار موجة انتقادات واسعة، إذ يرى سياسيون ومراقبون أن رئيس الوزراء هو مسؤول لكل العراقيين وليس ممثلًا لتحالف واحد، ما يستوجب أن تكون عملية اختياره علنية وواضحة للناس.

ويقول أصحاب هذا الرأي، إن من حق الجمهور أن يطلع على سيرة المرشح ويقرأ تاريخه المهني ويخضع للنقاش عبر الحوارات والندوات ووسائل الإعلام، وأن تُعرف رؤيته للملفات الاقتصادية والأمنية والخدمية، بدلًا من أن يبقى اسمه محصورًا داخل غرف التفاوض المغلقة.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC