رأى مختصون في الشأن العراقي أن الزخم الاستثنائي للسباق الانتخابي يأتي مدفوعا بمتغيرات إقليمية كبرى وتنافس داخلي محتدم يعيد إلى الأذهان أجواء انتخابات 2005، حين اندفعت المكونات والطوائف لحسم تمثيلها السياسي.
وشهدت مدن عراقية عدة، وفي مقدمتها العاصمة بغداد، انتشارا لافتا لصور ولافتات دعائية ضخمة تعود لنواب حاليين وزعماء كتل سياسية، وُضعت على المباني التجارية ومداخل المناطق والأحياء السكنية، ما اعتُبر دعاية انتخابية مبكرة ممولة بأموال طائلة رغم أن الحملة الرسمية لم تبدأ بعد.
وترافق ذلك مع ظهور مقاطع مصورة توثّق توزيع مساعدات وهدايا لناخبين محتملين، في مشهد يكشف تصاعد استخدام المال السياسي مبكرا لشراء الولاءات وبناء حضور انتخابي قبيل فتح باب التنافس رسميا.
بدوره، قال الباحث في الشأن السياسي علي ناصر إن السباق الانتخابي بدأ مبكراً بشكل غير مباشر، وقد تجلى ذلك في انتشار صور عدد من المرشحين في مختلف محافظات العراق، إضافة إلى احتدام الصراع حول التسلسلات الانتخابية، ولا سيما على ألقاب مثل "واحد بغداد" أو "واحد عراق".
وأوضح ناصر، لـ"إرم نيوز"، أن بعض التصريحات الإعلامية تهدف إلى تحفيز المكونات المختلفة على تحديث البطاقات الانتخابية، في سياق تنافس مكوناتي يسعى لحصد مقاعد البرلمان المقبل.
وأضاف أن المشهد الانتخابي يشهد تصاعداً في المشاحنات، في ظل تحولات سياسية داخلية وخارجية، من أبرزها ما يجري في سوريا ولبنان، وتراجع الدور الإيراني، إلى جانب قمة بغداد الأخيرة التي اعتُبرت خطوة ناجحة نسبيا.
ويشبّه مختصون السباق الانتخابي الحالي بأجواء انتخابات عام 2005 المفصلية، والتي جرت بعد سقوط نظام صدام حسين، وسط انقسام حاد بين المكونات، وغياب قوى بارزة مثل المكون السني، الذي قاطع الانتخابات آنذاك بنسب كبيرة، وأسفرت عن صعود قوى الإسلام السياسي الشيعي وتكريس مبدأ المحاصصة الثلاثية في توزيع السلطات.
وإذا كانت انتخابات 2005 قد جرت في ظل اضطرابات داخلية وغياب توازن بين المكونات العراقية، فإن انتخابات 2025 تأتي في ظل متغيرات إقليمية متسارعة، من أبرزها التراجع النسبي في نفوذ إيران، وتصاعد التوتر بين طهران وواشنطن، وتداعيات ما بعد 7 أكتوبر، إلى جانب التحولات في سوريا ولبنان، والتي قد تنعكس على الساحة العراقية من حيث خارطة التحالفات والاستقطاب السياسي.
من جهته، رأى الباحث والكاتب عبدالغني الغضبان أن الأوضاع الساخنة في المنطقة تمثّل عاملاً ضاغطاً ومؤثراً على الانتخابات العراقية المقبلة، مشيراً إلى أن التوتر بين إيران وإسرائيل، والمفاوضات المتعثرة بين طهران وواشنطن، وعدم الاستقرار في سوريا والعراق، إضافة إلى تحركات تنظيم داعش على الحدود، تخلق بيئة قلقة قد تنعكس بشكل مباشر على المشهد السياسي الداخلي.
وأضاف الغضبان، لـ"إرم نيوز"، أن المعطيات الإقليمية، بما فيها الحرب الروسية – الأوكرانية، وتغيّر موازين الزعامة في الشرق الأوسط، دفعت القوى السياسية العراقية بمختلف مكوناتها إلى التزاحم مبكراً لحجز مواقعها، خاصة في ظل تصاعد سباق الزعامات داخل العاصمة بغداد، حيث يسعى كل طرف لنيل لقب "واحد بغداد".
وحذّر الغضبان من أن عدم حصول بعض الأطراف، ولا سيما داخل الإطار التنسيقي، على النتائج المرجوة، قد يعيد سيناريو الفوضى الذي تكرّر بعد انتخابات 2021، حين اندلع القتال في المنطقة الخضراء نتيجة رفض نتائج الاقتراع.
وبالتزامن مع انطلاق السباق الانتخابي، بدأ تداول حملات تسقيط مبكرة تستهدف مرشحين معروفين، باستخدام تسجيلات صوتية أو مصورة، أو عبر تسريبات على مواقع التواصل الاجتماعي، في مشهد بات مألوفاً داخل العملية الانتخابية، ويُستخدم لتصفية حسابات سياسية أو التحضير لتبدل تحالفات اللحظة الأخيرة.
ويحذر مراقبون من أن تحمل الانتخابات المقبلة مفاجآت غير محسوبة قد تثير غضب أطراف سياسية رئيسة، وتدفعها نحو التصعيد الميداني، بما يهدد بتكرار سيناريو 2021، حين شهدت المنطقة الخضراء اشتباكات عنيفة عقب رفض الإطار التنسيقي لنتائج الانتخابات، ما أدى إلى سقوط ضحايا من القوات الأمنية ومناصري التيار الصدري.