تدخل روسيا سباق النفوذ مع القوى الكبرى في القارة السمراء، عبر بوابة الكونغو، متسلحة بخبراتها وقدراتها في مجالي الطاقة والدفاع العسكري.
وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن جمهورية الكونغو تحتل مكانة محورية في استراتيجية روسيا في أفريقيا، مشيرا إلى أن التعاون معها يمثل إحدى أولويات موسكو الأساسية في القارة.
وتأتي هذه التصريحات على هامش الذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية وانتصار الصين على اليابان، حيث التقى بوتين بالرئيس الكونغولي دينيس ساسو نغيسو لتأكيد عمق العلاقات الثنائية، بحسب موقع "بزنس إنسايدر أفريقيا".
وأوضح بوتين أن موسكو تواصل تعزيز الشراكات مع الكونغو في جميع المجالات، بما في ذلك التعليم، الطاقة، التعاون البحري، والدفاع، مشيرا إلى أن الطرفين يحافظان على "تواصل شخصي دائم"، وأن فرق الحكومتين تعمل على تعزيز التعاون في مختلف المشاريع.
وأضاف أن مشاركة الكونغو الفعالة على أعلى المستويات في القمة الروسية الأفريقية وغيرها من الفعاليات تعكس قوة العلاقة ومتانتها.
في السنوات الأخيرة، كثفت روسيا جهودها لإقامة موطئ قدم استراتيجي في أفريقيا، عبر توقيع اتفاقيات نووية وأمنية واقتصادية مع عدد من الدول الأفريقية.
ومن بين هذه الشراكات، جاءت الكونغو لتصبح نقطة دخول رئيسة لمبادرات موسكو القارية، حيث تتعاون مع روسيا لتطوير قطاعات الطاقة والتعليم والدفاع؛ ما يعكس التزام الطرفين بتعميق العلاقة الثنائية.
وفي سبتمبر/أيلول 2024، أعلن وزير الهيدروكربونات الكونغولي برونو جان ريتشارد إيتوا عن استعداد بلاده للترحيب بمزيد من الصفقات الروسية في قطاع الطاقة، وذلك بالتزامن مع أسبوع الطاقة الروسي.
وتبع ذلك توقيع اتفاقية مهمة بين روسيا والكونغو من خلال شركة روساتوم الحكومية الروسية المتخصصة في الطاقة النووية والتكنولوجيا المتقدمة، لتوسيع نطاق التعاون الاستراتيجي بين البلدين.
كما وقعت موسكو وبرازافيل مذكرة تعاون في المجال البحري في نوفمبر/تشرين الثاني، عقب اجتماع رسمي في موسكو، حيث ناقش الجانبان المشاريع العسكرية المشتركة، وخطط تطوير البنية التحتية البحرية، بالإضافة إلى التزامهما بالحفاظ على التنسيق في جميع مجالات التعاون العسكري الثنائي؛ كما تمت دراسة إمكانية إنشاء مصفاة مشتركة لتوسيع الشراكات الاقتصادية.
ويشير المراقبون إلى أن هذه الاتفاقيات تعكس استراتيجية روسيا في جعل الكونغو بوابة رئيسة لدخول السوق الأفريقية، وتحويل العلاقات الثنائية إلى شراكة متعددة الأبعاد تشمل الاقتصاد، التعليم، الطاقة، والتكنولوجيا الدفاعية.
ويُعد هذا التحرك جزءا من سياسة موسكو لتعزيز حضورها في أفريقيا بشكل عام، مع التركيز على إقامة علاقات متينة ومستدامة مع دول رئيسة يمكن الاعتماد عليها لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الروسية.
تُظهر تصريحات بوتين أيضا الحرص على التفاعل الشخصي المباشر مع القيادة الكونغولية؛ ما يعكس رغبة موسكو في بناء شراكة قائمة على الثقة المتبادلة والالتزام طويل الأمد.
كما يبرز هذا الاتصال الشخصي استمرار روسيا في التعامل مع الكونغو كشريك موثوق وأصيل؛ ما يعزز مكانة برازافيل على الساحة الأفريقية كدولة محورية للشراكات الدولية.
باختصار، الكونغو ليست مجرد شريك اقتصادي أو سياسي بالنسبة لروسيا، بل تمثل نقطة استراتيجية أساسية لتعزيز النفوذ الروسي في أفريقيا، وهو ما تؤكده الاتفاقيات متعددة المجالات والالتزام المستمر بالتواصل الشخصي بين الرئيسين بوتين ونغيسو؛ ما يجعل هذه العلاقة مثالًا على التحالفات الحديثة المبنية على الثقة والمصالح المتبادلة.