الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض طائرتين مسيّرتيْن تم إطلاقهما من اليمن
في 27 يونيو 2025، شهدت واشنطن توقيع اتفاقية سلام بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، وصفها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنها "يوم عظيم لإفريقيا، بل وللعالم"، وبعد أقل من شهر، وقّعت حكومة الكونغو وممثلو حركة 23 مارس (M23) إعلان مبادئ في الدوحة، وسط أجواء احتفالية رافقتها عناوين إعلامية مبشرة بميلاد صفحة جديدة في تاريخ المنطقة.
لكن بعد انقضاء نشوة الصور والابتسامات أمام الكاميرات، سرعان ما ظهرت الحقيقة القاسية "السلام في الكونغو لا يزال بعيد المنال".
وبحسب "معهد أبحاث السياسة الخارجية"، لخَّصت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإفريقية ماثا أما أكيا بوبـي، المأساة في كلمتها بمجلس الأمن في 22 أغسطس: "الوضع الأمني على الأرض لا يعكس التقدم الدبلوماسي"؛ نسبةً لارتفاع أعداد القتلى من المدنيين بشكلٍ صادم، وغيرها من تبعات الحرب المريرة، وحتى في ظلِّ هدنةٍ نسبية، ما زالت القوات تنتشر على الخطوط الأمامية والأسلحة تتدفق عبر الحدود.
في مقاطعة شمال كيفو وحدها، واصلت قوات M23 توسيع سيطرتها على مناطق مثل ماسيسي ووالكالي ولوبيرو، وخلال أسبوعين فقط من يوليو، قُتل أكثر من 300 مدني بينهم نساء وأطفال. هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات؛ هي قصص عائلات مزّقها العنف، أطفال يُجبرون على حمل السلاح بدل الذهاب إلى المدارس، وقرى تُفرغ من سكانها في موجات نزوح جديدة.
من جانبها فرضت الولايات المتحدة عقوباتٍ على كيانات متهمة بتأجيج الصراع والاتجار بالمعادن، لكن هذه الخطوات لم توقف دوامة العنف، والأدهى أن التركيز الدولي على "صفقات المعادن الاستراتيجية" مع الكونغو بات يُثير قلقًا متزايدًا؛ إذ يخشى كثيرون أن يتحوَّل الاهتمام بالموارد إلى عاملٍ إضافي يجذب مزيدًا من الأطراف المتصارعة، بدل أن يساعد على استقرار المنطقة.
وحتى إذا التزمت رواندا بالاتفاق الأمريكي وتوقَّفت عن دعم المتمردين، فإن المعادلة لن تتغير ما لم تقرر حركة M23 نفسها نزع سلاحها وإعادة دمجِها، غير أن الواقع مختلف؛ فالحركة لا تزال تسيطر على مدنٍ حيوية مثل غوما وبوكافو، وهما مركزان اقتصاديان غنيان بالمعادن ويشكّلان شريانًا أساسيًا للتجارة عبر الحدود، والأسوأ أن مطالبها السياسية تزداد خطورة، من العفو عن مقاتليها إلى إعادة تشغيل مؤسسات الدولة في مناطق تحت سيطرتها.
وجاء في السياق أن هذا النوع من التنازلات قد يفتح الباب أمام كارثة أكبر "تشجيع بقية الميليشيات على تكثيف العنف للحصول على مكاسب مماثلة"، وبالفعل، شهِدت منطقة بيني ولوبيرو هجمات دامية نفذتها قوات "القوات الديمقراطية المتحالفة" (ADF) الموالية لتنظيم داعش، أسفرت عن مقتل أكثر من خمسين مدنيًا مع موجة جديدة من الاختطاف والنهب.
ويرى خبراء أن هناك ثلاثة عوائق أساسية ما زالت تسد الطريق أمام أي أفق للسلام بما فيها غياب قوة رادعة قادرة على إجبار M23 أو القوات الرواندية على الانسحاب، وضعف الحكومة الكونغولية سياسيًا واستراتيجيًا في التعامل مع المتمردين، وأخيرًا غياب آلية واضحة لضمان انسحاب القوات الأجنبية، في وقت تتزاحم فيه قوى أوغندية وبوروندية على الأرض.
من جهةٍ أخرى حذَّرت شركات التحليل الأمني من أن المشهد في الكونغو لم يعُد مجرد "اضطراباتٍ محلية"، بل أزمة إقليمية تهدد استقرار منطقة البحيرات الكبرى بأكملها؛ فالتدخلات المتشابكة، والتحالفات المتقلبة، وغياب الثقة بين الأطراف، كلها مؤشرات على أن المنطقة تسير نحو دورة عنف طويلة الأمد، وربما تفكك جغرافي على المدى البعيد.
وتكشف مصادر مطَّلعة أن ما بين كلمات القادة على منصات التوقيع وصرخات المدنيين في قرى الشرق الكونغولي، تتضح فجوة هائلة؛ فـ"السلام" لا يولد من المراسيم والاحتفالات، بل من آليات ردع حقيقية، ومساءلة صريحة، واستثمار في بناء الثقة بين المجتمعات المحلية التي تتحمل العبء الأكبر من هذه الحروب.
وحتى ذلك الحين، سيظل الحديث عن "يوم عظيمٍ لإفريقيا" مجرد شعار يذوب أمام نار القرى المحترقة ودماء الأبرياء، لتبقى الكونغو جرحًا مفتوحًا في قلب القارة السمراء.