بدأ عام 2025 والإخوان المسلمون في أوروبا يواجهون حصاراً غير مسبوق. من فرنسا إلى ألمانيا، ومن النمسا إلى بلجيكا، تتالت الضربات الموجعة للجماعة.
تقارير استخباراتية كشفت المستور، وقرارات قضائية قطعت شرايين التمويل، وفضائح أمنية فضحت عمق الاختراق، وعلى مدار عام كامل من المواجهة شنت أوروبا ملحمة لمطاردة أذرع التنظيم.
فالقارة الأوروبية التي كانت يوماً ملاذاً آمناً للجماعة، تحولت إلى ساحة مطاردة. الأذرع التنظيمية التي عملت بهدوء لعقود، وجدت نفسها تحت الأضواء. وشبكات التمويل التي ضخت ملايين اليوروهات، تعرضت للتجميد والمصادرة.
يناير 2025.. البداية الهادئة قبل العاصفة
بدأ العام بهدوء نسبي، لكن الأجهزة الأمنية الأوروبية كانت تعمل في الخفاء. في باريس، كانت فرق الاستخبارات تُعد تقريراً ضخماً سيهز أركان الإخوان.
في برلين، كان المكتب الاتحادي لحماية الدستور يراقب عن كثب نشاط منظمات إسلامية على "تيك توك". أما فيينا، فانتشرت فيها شكوك حول موظف داخل أجهزة الاستخبارات.
مايو 2025.. فرنسا تسقط القنبلة الاستخباراتية
في منتصف مايو، أسقطت فرنسا قنبلة استخباراتية؛ إذ نشرت وزارة الداخلية تقريراً من 73 صفحة بعنوان "الإخوان المسلمون والإسلام السياسي في فرنسا". التقرير لم يكن مجرد أوراق، بل كان خريطة مفصلة لشبكة الإخوان في البلاد.
الأرقام كانت صادمة: 139 مسجداً له روابط مباشرة بالإخوان، 114 مدرسة قرآنية تابعة للجماعة، و7% من أماكن العبادة الإسلامية مرتبطة بالتنظيم.
لكن الأخطر كان في التفاصيل: استراتيجية اختراق ممنهجة استمرت لعقود، استهدفت المؤسسات الوطنية والأوروبية، وسيطرة على المجتمعات المسلمة من خلال المدارس الخاصة، مراكز التوظيف، وحتى خدمات المواعدة.
الرئيس إيمانويل ماكرون لم يضيع وقتاً؛ إذ وجّه حكومته فوراً بوضع تدابير حاسمة، وتم تجميد الأصول المالية، وحُلت تسعة صناديق وقفية بحلول نهاية الشهر، وبدأت الاستعدادات لإجراءات حل إضافية. الرسالة كانت واضحة: لن يكون هناك مكان للإخوان في فرنسا.
يونيو 2025.. الغارة على معهد الأئمة
في 17 يونيو، نفذت قوات الأمن الفرنسية تفتيشاً مفاجئاً على المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية (IESH) في منطقة بورغوندي. المعهد، الذي تأسس عام 1992 على يد اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، كان لعقود يُدرّب الأئمة بهدوء بعيداً عن الأضواء.
ما وجدته قوات الأمن كان مذهلاً، في المكتبة الرئيسة للمعهد، كانت هناك كتب تدعو صراحة للجهاد المسلح، محتوى يحرّض على الكراهية ضد اليهود والمسيحيين والمرتدين، ووثائق تربط المعهد بقيادات الإخوان المسلمين منذ تأسيسه.
تم تجميد أصول المعهد فوراً. الإدارة، أمام الضغط الهائل، قررت إغلاق أبوابه طوعياً في يوليو. لكن هذا لم يكن كافياً للسلطات الفرنسية؛ إذ كانت هناك ضربة أكبر في الطريق.
سبتمبر 2025.. فرنسا تحل أقدم معهد لتدريب الأئمة
في 3 سبتمبر، وقّع الرئيس ماكرون ورئيس الوزراء فرانسوا بايرو مرسوماً رسمياً بحل المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية. القرار وُصف في الصحافة الفرنسية بأنه "نصر غير مسبوق" ضد الإسلام السياسي.
المرسوم الرسمي كان قاسياً في لغته؛ إذ أشار إلى أن الإخوان المسلمين "يدعون إلى أيديولوجية إسلامية راديكالية تهدف إلى ظهور مجتمع تحكمه الشريعة الإسلامية"، وأن المعهد كان "النموذج الرائد" لمؤسسات مماثلة أُنشئت لاحقاً في بلجيكا وألمانيا وبريطانيا.
الإجراء لم يكن مجرد إغلاق مبنى. بل كان رسالة لكل الأذرع التنظيمية للإخوان في أوروبا: عصر التسامح انتهى.
أكتوبر 2025.. فضيحة الجاسوس في فيينا
في أكتوبر، انفجرت فضيحة أمنية خطيرة في النمسا هزت الرأي العام الأوروبي. موظف في مديرية أمن الدولة والاستخبارات النمساوية (DSN)، يعمل في قسم مكافحة الإرهاب وله صلاحية الوصول إلى معلومات سرية للغاية، كان يتجسس لصالح الإخوان المسلمين.
التفاصيل كانت مرعبة. الموظف اشتُبه في تسريب معلومات حساسة، بما في ذلك تفاصيل عن تحقيقات إرهابية جارية. تم إيقافه فوراً عن العمل، وفُتشت شقته، واحتُجز واستُجوب. مكتب المدعي العام في فيينا بدأ يُعد تهماً خطيرة تتعلق بأنشطة استخباراتية ضارة بالجمهورية.
الفضيحة أثارت غضباً سياسياً؛ فحزب "الحرية النمساوي" طالب باستقالة وزير الداخلية غيرهارد كارنر، ومطالب متزايدة بحظر المنظمات التابعة للإخوان في البلاد. السؤال الذي طرحه الجميع كان مقلقاً: إذا كان الإخوان قادرين على اختراق الاستخبارات النمساوية، فماذا عن باقي دول أوروبا؟
نوفمبر 2025.. ألمانيا تضرب "إسلاموية تيك توك"
في 5 نوفمبر، شنت ألمانيا أكبر ضربة ضد ما سُمي "الإسلاموية الحديثة على تيك توك". وزارة الداخلية الألمانية أعلنت حظر منظمة "مسلم إنتراكتيف" (Muslim Interaktiv)، وهي مجموعة إسلامية كانت نشطة للغاية على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة تيك توك.
في صباح يوم الحظر، مئات من ضباط الشرطة نفذوا عمليات تفتيش في سبعة أماكن في هامبورغ، و12 عملية تفتيش إضافية في برلين وهيسن ضد منظمتي "جيل الإسلام" و"ريالتي إسلام". صودرت الأموال والبيانات المخزنة والوثائق، وأُغلقت مواقع المنظمة الإلكترونية.
وزير الداخلية الألماني ألكسندر دوبريندت كان واضحاً وحازماً في تصريحه: "سنرد بكامل قوة القانون على كل من يدعو بعدوانية إلى خلافة في شوارعنا، ويحرض على الكراهية ضد إسرائيل واليهود، ويحتقر حقوق النساء والأقليات".
السبب؟ المنظمة اتُهمت بالترويج لمعاداة السامية والتمييز ضد النساء والأقليات الجنسية، والدعوة لإقامة خلافة إسلامية وأسبقية الشريعة على القانون الألماني، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل ماهر لاستقطاب الشباب المسلم.
نوفمبر 2025.. التقرير الأوروبي يكشف التمويل من أموال الضرائب
في الشهر نفسه، قُدّم تقرير بحثي شامل إلى مؤسسات الاتحاد الأوروبي أعده الدكتور فلورنس برغو-بلاكلر والدكتور توماسو فيرجيلي. العنوان كان صادماً: الإخوان المسلمون أتقنوا فن الاختراق وحصلوا على عشرات الملايين من اليوروهات من مؤسسات الاتحاد الأوروبي.
التقرير كشف عن شبكة معقدة من الجمعيات شبه المستقلة المرتبطة بأيديولوجية مشتركة، تحصل على تمويل من أموال دافعي الضرائب الأوروبيين لأنشطة الإخوان. المنظمات المذكورة شملت منظمة الإغاثة الإسلامية العالمية (IRW) وفروعها، مجلس المسلمين الأوروبيين (CEM)، واتحاد منظمات الشباب والطلاب المسلمين الأوروبيين (FEMYSO)، والمنتدى الأوروبي للنساء المسلمات (EFOMW).
البرلمان الأوروبي، الذي كان أطلق تحقيقاً في سبتمبر للنظر في "النفوذ المتطرف" في مؤسسات الاتحاد، وجد نفسه أمام أدلة دامغة. النائب السويدي تشارلي فايمرز وصف البنية التنظيمية للإخوان في أوروبا بأنها "متاهة" مصممة خصيصاً لإخفاء الروابط والتمويل.
لم تكن فرنسا وألمانيا والنمسا وحدها؛ إذ بدأت دول أوروبية أخرى تتحرك: في أيرلندا أُغلق المركز الثقافي الإسلامي في دبلن، أكبر مسجد في العاصمة، وسط ضغوط برلمانية متزايدة للتحقيق في أنشطة الجماعة.
كما تجددت في بلجيكا التنبيهات الاستخباراتية حول جمعيات يُشتبه في الترويج لأيديولوجية الإخوان، وكشف وزير الداخلية عن تحذير أمني صدر عام 2020.
السويد: خدمة الأمن السويدية راجعت 15 مجموعة يُشتبه في ارتباطها بالإخوان، وأُغلقت مجموعتان بسبب تمويل غير نظامي، كما جرت في سويسرا عمليات قضائية ورقابة أمنية مشددة، ومراقبة دقيقة لشبكات التمويل.
نوفمبر 2025.. أوروبا تنتفض بوجه الإخوان
عدة مدن أوروبية، منها فيينا وبراغ، شهدت احتجاجات واسعة تطالب بتصنيف جماعة الإخوان منظمة إرهابية، في إطار حملة إعلامية دولية استمرت حتى 24 نوفمبر، في واحدة من أكبر الحركات الشعبية في أوروبا خلال السنوات الأخيرة.
التحركات جاءت في ظل مخاوف أمنية متزايدة، بعد أن رصدت الأجهزة الأمنية الأوروبية محاولات للجماعة للتسلل إلى المؤسسات المدنية، واستغلال الأنشطة الخيرية كغطاء لتوسيع نفوذها، فضلاً عن سعيها لتجنيد الشباب من المجتمعات المسلمة للمشاركة في صراعات سياسية تتعارض مع القيم الإسلامية المعتدلة.
الاحتجاجات كان هدفها الضغط على الحكومات الأوروبية لتصنيف جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية على الصعيد الأوروبي والدولي، والمطالبة بفرض عقوبات دولية وقطع مصادر تمويلها، بما يشمل الشبكات المالية العابرة للحدود.
نوفمبر 2025.. أمريكا تنضم للمعركة
عبر الأطلسي، وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في نوفمبر أمراً تنفيذياً يوجه بتقييم ما إذا كان يجب تصنيف فروع معينة للإخوان المسلمين - خاصة في لبنان ومصر والأردن - كمنظمات إرهابية أجنبية.
في الوقت نفسه، أعاد النائبان ماريو دياز-بالارت (جمهوري - فلوريدا) وجاريد موسكوفيتز (ديمقراطي - فلوريدا) تقديم "قانون تصنيف الإخوان المسلمين كتنظيم إرهابي 2025" إلى الكونغرس. الهدف: تكليف وزير الخارجية بإصدار تقارير دورية عن فروع الإخوان، وتصنيف التنظيم العالمي، ومنع الدولارات الأمريكية من تمكين أنشطة الإخوان.
على صعيد الولايات، قامت ولاية تكساس في نوفمبر بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين ومجلس العلاقات الأمريكية-الإسلامية (CAIR) كمنظمات إرهابية أجنبية. وفي 8 ديسمبر، أعلن حاكم ولاية فلوريدا، رون ديسانتيس، تصنيف جماعة الإخوان المسلمين ومجلس العلاقات الأمريكية-الإسلامية (CAIR) كـ"منظمتين إرهابيتين".
معركة عابرة للقارات
التحرك الأمريكي أعطى زخماً إضافياً للجهود الأوروبية، حيث أصبحت المعركة عابرة للقارات. فعام 2025 لم يكن عاماً عادياً للإخوان المسلمين في أوروبا. بل كان عام الحصار الكبير والمواجهة الشاملة وكشف الأسرار، من تقارير استخباراتية فضحت عقوداً من الاختراق، إلى قرارات قضائية قطعت طرق التمويل، إلى فضائح أمنية أظهرت عمق التغلغل.
سيُذكر في تاريخ الإخوان المسلمين في أوروبا أن 2025 كان عام الحصار الكبير. والسؤال الآن: هل سيكون عام 2026 عام الحسم النهائي؟