الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"
قدم عدد كبير من المواطنين الأتراك، وكثير منهم من الأجيال الجديدة، تصوراتهم حول حل القضية الكردية في تركيا ضمن عملية السلام الجارية بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني التي تشهد تباطؤاً بعد عام على انطلاق الدعوة لها.
واستمعت اللجنة البرلمانية التي تشرف على عملية السلام هذه، لآراء الكثير من ممثلي جمعيات ومنظمات المجتمع المدني طوال عمل اللجنة المستمر منذ قرابة شهر ونصف الشهر، عقدت فيها 15 جلسة نقاشية حتى الآن.
وتمثل هذه الجمعيات طلاب جامعات ومجموعات شبابية ونسائية وأكاديميين من تخصصات ووظائف ومهن مختلفة، بينهم أتراك وأكراد شارك ممثلوهم في إيصال آرائهم حول حق القضية الكردية للجنة السلام أو عبروا عنها من خلال استطلاعات الرأي والنقاشات المستقبلة.
عكست آراء أحدث مجموعة من هذه المنظمات والجمعيات جرأة في رؤيتها لحل القضية الكردية وعملية السلام مع حزب العمال الكردستاني المسلح، مقارنة بمواقف السياسيين المحافظة والمترددة.
لا مشكلة لدى كثير من المتحدثين في لقاء لجنة السلام البرلمانية بالزعيم الكردي عبد الله أوجلان في سجنه، طالما أن اللقاء سيسرع من عملية السلام ويتجاوز العقبات التي تعترضها، والوصول للهدف النهائي منها في حل الحزب فعلياً وإلقاء مقاتليه للسلاح.
ويبدو هذا الموقف متقدماً من قبل جيل الشبان الجدد الذي لم يرثوا مفاهيم الصراع بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني المستمر منذ 47 عاماً، كما يرددها آباؤهم، ويتطلعون لحل الصراع بالتزامن مع تفهم لكثير من مطالب أكراد تركيا التي يريدونها ضمن دولة واحدة.
على الجانب الآخر، تنقسم الأحزاب السياسية التقليدية في تركيا حول لقاء لجنة السلام البرلمانية مع أوجلان بشكل مباشر، بل ينقسم السياسيون داخل الحزب ذاته، بما في ذلك حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يميل لعدم اللقاء بينما يدعو حليفه في الحكومة حزب الحركة القومية لذلك اللقاء.
وترك الصراع المسلح بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني طوال نصف قرن تقريباً جروحاً عميقة في المجتمع بعد عشرات آلاف الضحايا بين قتلى ومصابين ومعتقلين، ويصعب على زعماء الأحزاب إغضاب قواعدهم التي يعارض جزء منها بشكل صريح لقاء أوجلان.
واستمعت لجنة السلام ذاتها في اجتماع سابق لها مع عائلات الضباط والجنود الأتراك الذين قضوا على يد مقاتلي حزب العمال الكردستاني، لاعتراضاتهم على لقاء أوجلان الذي يصفونه بأنه "إرهابي"، وهو تصنيف رسمي من أنقرة للحزب وجميع أعضائه.
يشكل مطلب دعم اللغة الكردية داخل المجتمع ومؤسسات التعليم في تركيا عقبة لدى أجيال من القوميين الأتراك الذين يقولون إنها تهدد وحدة وكيان دولتهم، وقد نقلوا آراءهم تلك للجنة السلام التي ستنتقل لمرحلة إقرار القوانين بعد نهاية مرحلة النقاشات في هذا الشهر أو الشهر القادم.
وعلى الجانب الآخر، استمعت لجنة السلام لآراء مغايرة لدى منظمات المجتمع المدني الشبابية، التي ترى في تجاهل دعم اللغة الكردية إنكاراً لوجود قضية كردية تتطلب الحل بشكل فعلي عبر تحقيق مطالب الناطقين بتلك اللغة.
وقال باران يالتشين كايا، الذي مثل جمعية "بناة السلام الشباب" في اجتماع يوم الأربعاء الماضي، إن الشبان الأكراد متمسكون بهويتهم الكردية بجانب اعتزازهم بهويتهم التركية، "قد يبدو هذا متناقضا للوهلة الأولى، لكن في الواقع، نحن نتحدث عن اتجاهين لا يتعارضان، بل يعزز أحدهما الآخر".
وأضاف أن الشباب الكردي يشعر أنه جزء من المجتمع التركي، لذلك فهو يطالب بالمساواة في المواطنة والمعاملة العادلة انطلاقا من هذا الشعور بالانتماء تحديدا. و"تنبع شرعية مطالب مثل التعليم بلغتهم الأم من تصور الشباب الكردي لأنفسهم كمواطنين متساوين في هذا البلد".
قدم رئيس جمعية شباب الأناضول، صالح تورهان، في الاجتماع مع لجنة السلام، جزءاً من نتائج استطلاع رأي أجرته الجمعية هذا العام، والتقت وجها لوجه مع 2000 شاب وشابة في شرق وجنوب شرق الأناضول.
وقال تورهان: "سألناهم عن رأيهم في القضية الكردية، فقال 59.8 % منهم إن هناك قضية كردية مهمة في تركيا، وهذا يُظهر أن المشكلة لا تُحل بالإنكار، بل بمواجهة الحقيقة، نحن لا نتعامل مع هذه القضية كمشكلة، بل كمسألة أخوة يجب حلها".
وأضاف تورهان أن 82.6% أجابوا عن سؤال: "هل تعتقد أن على الدولة تسهيل استخدام اللغة الكردية بشكل أكبر في التعليم والنشر والمجالات الثقافية؟" بالموافقة على ضرورة تعزيز حضور اللغة الكردية في المجال العام.
وأوضح: "اللغة هي أقوى حامل للهوية، وسيسهم فهمها وإتاحة الفرص في هذا الصدد بشكل كبير في تحقيق السلام الاجتماعي".
أشار المنسق العام لمنتدى منظمات الشباب، حسن أوغوزهان أيتاش، خلال حديثه للجنة السلام، إلى القيود التي كانت تمنع النقاشات بين الشباب حول القضية الكردية، داعياً لفتح المجال أمام الشباب ليكونوا قادرين على مناقشة السلام في الجامعات.
وأوضح أيتاش أن السلام يجب أن يناقش في الجامعات، بين الطلاب لا مع اللجنة البرلمانية، بعد سنوات من القيود التي كانت مفروضة بذريعة الإرهاب والأمن.
تتفق هذه الآراء التي تمثل الأجيال الجديدة من الأتراك والأكراد،، مع ما كشفه مركز أبحاث تركي، في استطلاع رأي جديد أعده بالتزامن مع عملية السلام الجارية، وخلص لما يبدو أنها مفاهيم جديدة بالفعل حول الصراع أو القضية الكردية.
ووفق الاستطلاع الذي أعدته مؤسسة "راويست" للأبحاث، فإن عملية السلام الجارية ليست مجرد مفاوضات بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني فحسب، بل هي نتيجة للتحول الاجتماعي للأكراد، الذي يفرض حلاً لا محالة.
ووفق مدير الأبحاث في "راويست"، روج إيسير غيراسون، فإن هذا التحول الاجتماعي شهد انتقال أعداد كبيرة للأكراد من مركز تواجدهم الرئيس في شرق تركيا نحو غربها، بجانب موجة هجرة من الريف للمدينة، وارتفاع في مستوى التعليم.
وأضاف غيراسون أن أحد تجليات هذا التحول هو معارضة غالبية الأكراد لاستخدام السلاح في المطالبة بالحقوق، مع تزايد الانتماء إلى تركيا، وتزايد الوعي بالهوية الكردية في آن.
وأوضح: "يرى الأكراد أنفسهم بشكل متزايد جزءا من تركيا، لكنهم يعتنقون أيضا الهوية الكردية من خلال الهوية والثقافة واللغة الكردية. ويطالب الأكراد بوجود في تركيا مع الحفاظ على هويتهم الكردية".
بدأت عملية السلام الجديدة في الـ22 من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي 2024، بدعوة من السياسي التركي البارز، رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، إلى عملية سلام بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني المسلح، تتضمن حضور أوجلان للبرلمان ودعوته حزبه إلى إلقاء السلاح.
ووجدت دعوة بهتشلي استجابة من أوجلان الذي أطلق في الـ27 من فبراير/شباط الماضي من سجنه في جزيرة "إيمرالي"، القابع فيه منذ 26 عاما دعوة تحت عنوان "نداء من أجل السلام والمجتمع الديمقراطي".
وتضمنت دعوة أوجلان حل حزب العمال الكردستاني وإلقاء أسلحته بهدف تحقيق السلام والتضامن بين الأكراد والأتراك، وإنهاء النزاع المسلح الذي استمر 47 عاما، وحل المشكلة الكردية.
وجرت بعد ذلك بضع خطوات في مبادرة السلام التي تطلق عليها أنقرة اسم "تركيا خالية من الإرهاب"، بينها خطوة رمزية لمقاتلين من حزب العمال الكردستاني جرت في يوليو/تموز الماضي، ألقى فيها عدد من المقاتلين أسلحتهم بالفعل في محافظة السليمانية شمالي العراق.
وتقول أنقرة إن عملية السلام تتسم بالحساسية، وتتضمن مسارين منفصلين، الأول يتعلق بحل حزب العمال الكردستاني وإلقاء مقاتليه السلاح مع تحديد قوانين للتعامل مع المقاتلين والقادة ومن منهم سيعود لتركيا ومن منهم سيحصل على عفو أو سيحاكم.
ويتعلق المسار الثاني بتعزيز الديمقراطية في تركيا بحيث تحقق العدالة والمساواة بين جميع المواطنين، بمن فيهم الأكراد، عبر سن تشريعات جديدة وحتى إقرار دستور جديد بالكامل.