قاربت اللجنة المعنية بالإشراف على عملية السلام الجارية بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني، على إنهاء المرحلة الأولى من عملها والتي تعتمد على النقاشات قبل الانتقال إلى مرحلة جديدة حاسمة.
واستقبلت لجنة "التضامن الوطني والإخاء والديمقراطية" البرلمانية، التي تضم ممثلين عن الأحزاب، والمكلفة بمناقشة مبادرة السلام مع حزب العمال الكردستاني، أمس الأربعاء، ممثلين عن مراكز الأبحاث والدراسات الفكرية والسياسية.
وقال رئيس اللجنة ورئيس البرلمان التركي، نعمان كورتلموش، خلال افتتاح تلك الجلسة، إن عمل لجنة "التضامن الوطني والإخاء والديمقراطية" قارب على الانتهاء مع عقد الاجتماع رقم 12 لها، ولقاء 80 شخصاً من مختلف المنظمات المدنية والوصول إلى 830 صفحة من محاضر النقاشات.
وأضاف كورتلموش أن اللجنة تقترب الآن من نهاية مرحلة الاستماع هذه، وستقدم في شهر تشرين الأول/أكتوبر المقبل، اقتراحات للبرلمان، بناءً على نقاشاتها السابقة مع منظمات المجتمع المدني.
ووصف كورتلموش عمل اللجنة السابقة بأنه مثمر وجرى كما كان مخططاً له، حيث "عبّر الجميع عن آرائهم. لم نتدخل في آراء الآخرين أو في كلماتهم، وسُجِّل كل شيء".
ومن المقرر أن تقوم لجنة السلام تلك بإعداد اقتراحات، بناءً على لقاءاتها السابقة مع الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني ورجال الأعمال وعائلات ضحايا الصراع المسلح وخبراء الصراعات الدولية ومحللي مراكز الأبحاث، لعرضها على البرلمان.
تمثل المرحلة المقبلة اختباراً جدياً لعملية السلام وطرفيها، حيث ستتجاوز مرحلة النقاشات العامة إلى الخوض في تفاصيل دقيقة للصراع والقضايا المرتبطة به واتخاذ قرارات بشأنها.
وتتصدر عناوين بارزة المرحلة المقبلة من العملية، مثل: عودة مقاتلي حزب العمال الكردستاني إلى تركيا، والعقوبات المفروضة عليهم، والعفو عنهم، إضافة للتدابير الأمنية، والحكم الذاتي، واعتبار اللغة الكردية لغة رسمية للأكراد في تركيا.
كما يُتوقع أن تتناول المرحلة المقبلة إمكانية إطلاق سراح زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان المسجون منذ العام 1999 في سجن خاص بجزيرة إيمرالي في شمال غربي البلاد، أو تخفيف القيود عنه والسماح له بلقاء الصحفيين.
تدرك أنقرة أهمية المرحل المقبلة من عملية السلام، والقضايا الحساسة التي يتوجب إيجاد حل أو توافق حولها، بما يضمن قبول جميع الأطراف وكسب رضا الرأي العام في البلاد.
وقال نائب رئيس حزب الحركة القومية، فتي يلدز، وهو عضو في لجنة السلام، إن العديد من الدول واجهت عبر التاريخ مشكلة العنف السياسي، وتم الاستماع لكل مجموعة أو مؤسسة أو منظمة لديها ما تقوله في لجنة السلام، ولم يعد هناك كلمة واحدة تقال.
وأضاف فتي الذي أطلق حزبه مبادرة السلام الجارية، العام الماضي، في تعليق على قرب نهاية عمل اللجنة، عبر حسابه في "إكس": "في نهاية العملية، سوف نرى نتائج مشتركة فيما يتعلق بالمفاهيم والأهداف".
بالتزامن مع انتهاء عمل لجنة السلام، كشف مركز أبحاث تركي، عن نتائج استطلاع رأي جديد أعده بالتزامن مع عملية السلام الجارية، وخلص لما يبدو أنها مفاهيم جديدة حول الصراع أو القضية الكردية.
ووفق الاستطلاع الذي أعدته مؤسسة "راويست" للأبحاث، فإن عملية السلام الجاري ليست مجرد مفاوضات بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني فحسب، بل هي نتيجة للتحول الاجتماعي للأكراد، والذي يفرض حلاً لا محالة.
ونقلت صحيفة "جمهورييت" التركية، عن مدير الأبحاث في "راويست"، روج إيسير غيراسون، قوله إن ذلك التحول الاجتماعي شهد انتقال اعداد كبيرة للأكراد من مركز تواجدهم الرئيس في شرق تركيا نحو غربها، بجانب موجة هجرة من الريف للمدينة، وارتفاع في مستوى التعليم.
وأضاف غيراسون أن أحد تجليات ذلك التحول هو معارضة غالبية الأكراد لاستخدام السلاح في المطالبة بالحقوق، مع تزايد الانتماء إلى تركيا، وتزايد الوعي بالهوية الكردية في آن.
وأوضح: "يرى الأكراد أنفسهم بشكل متزايد جزءًا من تركيا، لكنهم يعتنقون أيضًا الهوية الكردية من خلال الهوية والثقافة واللغة الكردية. يطالب الأكراد بوجود في تركيا مع الحفاظ على هويتهم الكردية".
بدأت عملية السلام الجديدة في الـ22 من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، 2024، بدعوة من السياسي التركي البارز، ورئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، إلى عملية سلام بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني المسلح، تتضمن حضور أوجلان للبرلمان ودعوته حزبه إلى إلقاء السلاح.
ووجدت دعوة بهتشلي استجابة من أوجلان الذي أطلق في الـ27 من فبراير/شباط الماضي من سجنه في جزيرة "إيمرالي"، القابع فيه منذ 26 عامًا دعوة تحت عنوان "نداء من أجل السلام والمجتمع الديمقراطي".
وتضمنت دعوة أوجلان، حل حزب العمال الكردستاني وإلقاء أسلحته بهدف تحقيق السلام والتضامن بين الأكراد والأتراك، وإنهاء النزاع المسلح الذي استمر 47 عامًا، وحل المشكلة الكردية.
وجرت بعدها بضع خطوات في مبادرة السلام التي تطلق عليها أنقرة اسم "تركيا خالية من الإرهاب"، بينها خطوة رمزية لمقاتلين من حزب العمال الكردستاني جرت في يوليو/ تموز الماضي، ألقى فيها عدد من المقاتلين أسلحتهم بالفعل في محافظة السليمانية شمالي العراق.