الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"
تواجه عملية السلام بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني، تعثراً بعد نحو عام على انطلاق الدعوة لها، ووصولها إلى مرحلة اتخاذ قرارات مصيرية تنهي صراعاً مسلحاً استمر قرابة 50 عاماً، وترك عداءً عميقاً وانقساماً في المجتمع التركي ونخبه السياسية.
وظهرت آثار ذلك العداء، في الأيام القليلة الماضية، في عدد من المواقف والتصريحات التي أدلى بها السياسيون الذين انقسموا بشأن خطوة مفصلية في مفاوضات السلام تتضمن لقاء نواب من البرلمان التركي مع زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان في سجنه.
وحتى الآن، تواصل وسائل الإعلام التركية وصف حزب العمال الكردستاني بكلمة "إرهابي"، وتستخدم الوصف ذاته مع زعيم الحزب المسجون منذ 26 عاماً في جزيرة "إيمرالي" في غرب تركيا، ما أثار اعتراضاً من حزب الديمقراطية والعدالة للشعوب، وهو أكبر الأحزاب الكردية الممثلة في البرلمان، ودعا لتبني خطاب سلام.
بدأت الاعتراضات على لقاء ممثلين عن لجنة السلام البرلمانية مع أوجلان تتزايد داخل البرلمان ذاته، بجانب رفض أوسع في الوسط السياسي التركي الذي يجد مؤيدين كثرًا لذلك الموقف المرتبط بالجراح التي خلفها الصراع الدموي بين أنقرة وحزب العمال.
فبعد اعتراض حزب "الرفاه من جديد" وزعيمه فاتح أربكان، قبل أيام قليلة، على اقتراح لقاء أعضاء من لجنة السلام البرلمانية مع أوجلان، توسع الخلاف داخل البرلمان عندما اعترض حزب "الجيد" على الخطوة ذاتها.
فقد هاجم نائب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب "الجيد"، تورهان تشوميز زميلته في البرلمان، بيرفين بولدان بسبب زيارتها لأوجلان بوصفها قيادية في حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب الممثل للأكراد، والذي يلعب دور وسيط في عملية السلام بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني.
وقال تشوميز في جلسة برلمانية ترأستها بولدان ذاتها بوصفها نائبة رئيس البرلمان: ".. لا تقع على عاتقكِ مسؤولية نقل رسائل إرهابي حقير إلى تركيا، قتل 50 ألف شخص، واستشهد رجال شرطتنا وجنودنا ومعلمينا وحراس قرانا، وذبح شعبنا".
وردت بولدان خلال الجلسة البرلمانية على تشوميز، وقالت: "أرفض كلماتك هذه. لن أقبل أبدًا عدم احترام هذه المنصة.. إذا كنت أقوم بعمل ما، فأنا أفعل ذلك من أجل مستقبل تركيا. أنا أفعل ذلك من أجل سلام هذا البلد. أنا أفعل ذلك من أجل مستقبل هذا البلد".
وتبدي الأحزاب السياسية التركية، في الغالب، دعماً لعملية السلام الجارية، لكن اللقاء مع أوجلان كشف عن خلاف رئيس كبير بين السياسيين الأتراك المنتمين لعدة أحزاب يمينية ويسارية ووسط، بينها المحافظ والليبرالي.
وأثارت دعوة رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، الأسبوع الماضي، للقاء لجنة السلام مع أوجلان عند الضرورة، رداً حاداً قلّما يوجه للسياسي القومي التركي البارز.
وعارض فاتح أربكان، زعيم حزب "الرفاه من جديد" المحافظ، الاقتراح، وهدد حزبه بدوره، بدراسة قرار الانسحاب من لجنة السلام إذا التقت بأوجلان.
كما أثار اعتراض أربكان غضب حزب الحركة القومية عندما قال: "فليذهب بهتشلي"، ويلتقي أوجلان بنفسه".
وأدان النائب والقيادي في حزب الحركة القومية، يوجيل بولوت، لهجة أربكان التي وصفها بغير المسؤولة وغير المرغوبة، قبل أن يشير لوالد أربكان الراحل، السياسي نجم الدين أربكان الذي قال إنه كان داعماً لعملية السلام وخاطر لأجلها.
يقود حزب الديمقراطية والعدالة للشعوب، وهو أكبر الأحزاب الكردية الممثلة في البرلمان، مطالب الإفراج عن عبدالله أوجلان أو تخفيف القيود عنه، واللقاء به بشكل مباشر بوصفه زعيم حزب العمال الكردستاني الذي يشكل الطرف الثاني في عملية السلام.
ويرى الحزب أن عملية السلام تسير ببطء بسبب عدم الانتقال من مرحلة النقاشات إلى مرحلة وضع قوانين وتشريعات تنظم عملية السلام وبنودها التي تستهدف الحل الفعلي لحزب العمال الكردستاني وإلقاء مقاتليه للسلاح.
ويدعو الحزب لمناقشة أوجلان بشكل مباشر حول تلك التفاصيل بالتزامن مع تخفيف القيود عنه وحتى إطلاق سراحه، ودعوتها للحضور إلى البرلمان، ووضع قوانين تنظم مصير مقاتلي الحزب وقيادييه ومن يمكنه العودة لتركيا ويندمج في المجتمع.
وقالت بيرفين بولدان التي التقت أوجلان بصفتها عضواً في لجنة حزبها المكلفة بالتواصل مع زعيم الحزب خلال الفترة الماضية، إن العديد من القنوات التلفزيونية والمعلقين لا يزالون يتمسكون بخطاب الماضي العدائي، وإن همّ هذه الدوائر ليس الحل أو السلام، بل الخطاب البغيض والعداء، وفق تعبيرها.
لا يزال الانقسام بشأن عملية السلام وبنودها ومراحلها واضحاً حتى داخل الحزب الواحد، حيث تتفق على خطوة نزع سلاح حزب العمال الكردستاني وحله، لكنها تختلف حول مسار الوصول لذلك الهدف والفصل بينه وبين تلبية أي مطالب تتعلق بالأكراد في تركيا، مثل التعليم والثقافة.
ويؤيد السياسي التركي، بولنت أرينتش، وهو رئيس سابق للبرلمان ومؤسس مع أردوغان لحزب العدالة والتنمية العام 2001، لقاء لجنة السلام البرلمانية مع أوجلان، ودعا لتحقيقها عبر "التحلّي بالشجاعة من أجل النجاح"، لا بل دعا لعفو عام يطال أوجلان لتحقيق "سلام اجتماعي".
وأضاف أرينتش عبر حسابه على "إكس": "إذا لم يتطوع أحد، سأذهب إلى إيمرالي وألتقي أوجلان، إذا لزم الأمر... إذا أرادت اللجنة التي أنشأها البرلمان إدارة العملية بفاعلية، يجب الاستماع إلى أوجلان مباشرةً في إيمرالي، ويجب أن يُعقد هذا الاجتماع تحت إشراف المؤسسات التي تتحمل المسؤولية الأخلاقية والسياسية عن العملية".
وفي سياق مغاير لذلك الرأي من داخل معسكر الحزب الحاكم والحكومة، قدم محمد أوتشوم، وهو المستشار الرئيس للرئيس ونائب رئيس مجلس السياسات القانونية الرئاسية، شرحاً مفصلاً عن مسار العملية في الفترة المقبلة.
وقال أوتشوم في مقال تحليلي نشرته وكالة "الأناضول" للأنباء، إن مسار حل حزب العمال الكردستاني وإلقاء السلاح والتعامل مع مقاتليه، جزء منفصل من عملية السلام، ويستهدف القضاء على الإرهاب، بينما الجزء الثاني من العملية هو تطوير الديمقراطية في تركيا.
واعتبر أوتشوم إن حزب العمال الكردستاني لا يمثل جميع الأكراد، وبدا المستشار الرئاسي معارضاً لإطلاق سراح أوجلان، عندما قال: "بينما لم يقدم أوجلان نفسه أي شروط أخرى سوى تخفيف شروطه للمساهمة بفاعلية أكبر في العملية، فإن أي مطالب إضافية من الآخرين ستضر بعملية الانتقال. لذا، يجب فهم دور أوجلان البنّاء في هذه العملية بشكل أفضل".
بدأت عملية السلام بدعوة رئيس حزب الحركة القومية، في أكتوبر/تشرين الأول 2024، أوجلان لدعوة حزبه إلى إلقاء السلاح وحل نفسه والقدوم للبرلمان والتحدث فيه وبدء عملية سلام تحت اسم "تركيا خالية من الإرهاب".
واستجاب أوجلان بالفعل لتلك الدعوة من سجنه، ولبى حزبه نداءه عندما أعلن حل الحزب، ثم ألقت مجموعة صغيرة من مقاتليه السلاح في خطوة رمزية بمدينة السليمانية في إقليم كردستان العراق، بينما أجرت لجنة السلام البرلمانية في الشهرين الأخيرين نقاشات واسعة مع الأحزاب، ومنظمات المجتمع المدني، وخبراء النزاعات، وذوي ضحايا الصراع.