رأى خبراء أن الاتفاق الذي أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التوصل إليه بين روسيا وأوكرانيا، قد ينهي بالفعل الحرب في ظل إدراك أوروبا أن كييف لا تستطيع الصمود أمام موسكو دون الدعم الأمريكي، بينما تسعى الولايات المتحدة لإنهاء الحرب وتحقيق السلام.
والاتفاق يتضمن في مقدمة النقاط الرئيسة اعتراف الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية بسيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم والمناطق الأربع المتنازع عليها "زابوروجيا، وخيرسون، ودونيتسك، ولوغانسك".
وفي هذا السياق، سيستمر تواجد الجيش الروسي في هذه المناطق بشكل دائم، إلا أن هذا الوجود سيكون دون اعتراف دولي رسمي بضم هذه الأراضي إلى روسيا.
من جانبها، ستحتفظ أوكرانيا بحقها في المطالبة بهذه الأراضي على الصعيد السياسي من خلال المفاوضات، شريطة أن تلتزم أوكرانيا بالحياد العسكري الكامل وأن تتعهد بعدم الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو".
ووفقًا للبنود المبدئية للاتفاق، سيتعين على أوكرانيا التفاوض على حجم جيشها وعدد المصانع الحربية التي يمكنها تطويرها في المستقبل.
وتهدف هذه القيود إلى تقليص قدرة أوكرانيا على تعزيز قوتها العسكرية بشكل مستقل في المستقبل، وهي أحد العوامل الحاسمة التي ستحدد مستقبل العلاقات العسكرية بين الطرفين.
يعد رفع العقوبات المفروضة على روسيا جزءًا أساسيًا من الاتفاق، حيث تم الاتفاق على أن روسيا ستقوم بدفع تعويضات مالية لأوكرانيا عن الأضرار التي تكبدتها نتيجة الحرب.
ووفقًا لصيغة يتم التفاوض عليها بين الأطراف المعنية، تم الاتفاق على أن أوكرانيا ستستفيد من مبلغ 250 مليار دولار من الأموال الروسية المجمدة، والتي سيتم استخدامها في عملية إعادة إعمار البلاد.
وفي ضوء التفاهمات المتقدمة بين روسيا وأوكرانيا، بات من المرجح أن يتم التوقيع على اتفاق السلام قريبًا، ما يمهد الطريق لوقف الصراع الذي استمر لعدة سنوات.
وقال د. محمود الأفندي، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن الخطة الأمريكية تقضي بالاعتراف بشبه جزيرة القرم كأراضٍ روسية، بالإضافة إلى إقرار السيطرة الروسية على المناطق الأربع المتنازع عليها، مع بقاء الجيش الروسي فيها بشكل دائم دون اعتراف دولي رسمي بضمها.
وأشار الأفندي إلى أن أبرز نقاط الخلاف تتمثل في سعي روسيا والولايات المتحدة إلى منع أوكرانيا من بناء جيش قوي أو امتلاك مصانع حربية كبرى، عبر التوصل إلى اتفاق يحدد حجم الجيش الأوكراني وقدراته الصناعية العسكرية.
وأوضح لـ"إرم نيوز"، أن الاتفاق يتضمن دفع روسيا لتعويضات مالية لأوكرانيا، إلى جانب رفع العقوبات المفروضة عليها بشكل كامل، في المقابل، تطالب أوكرانيا والدول الأوروبية برفع العقوبات جزئيًا فقط، والحصول على 250 مليار دولار من الأموال الروسية المجمدة لإعادة إعمار البلاد.
وبين أن الخلافات المتبقية تُعد مسائل فنية يمكن حلها قريبًا، لافتًا إلى أن زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى موسكو ولقائه مع الرئيس فلاديمير بوتين وضعت اللمسات الأخيرة على الاتفاق.
وأكد المحلل السياسي أن أوروبا تدرك أن أوكرانيا لا تستطيع الصمود أمام روسيا دون الدعم الأمريكي، بينما تسعى الولايات المتحدة لإنهاء الحرب وتحقيق السلام، حتى لو استدعى الأمر تقليص دعمها العسكري لكييف.
وأضاف أن الاتفاق بشأن القضايا العسكرية ومسألة الأراضي يفتح المجال أمام إنهاء الحرب بالكامل خلال الأسبوعين المقبلين، مرجحًا أن يتم الإعلان عن نهاية النزاع بحلول التاسع من مايو.
وأشار الأفندي إلى أن الهجمات الروسية الأخيرة على أوكرانيا كشفت عن تفوق واضح، إذ بلغت نسبة إصابة الصواريخ لأهدافها 95% مقارنة بـ65% سابقًا، وأن ذلك يرجع إلى تعطيل الولايات المتحدة لأنظمة الإنذار المبكر الأوكرانية، ونفاد الذخائر لدى سلاح الجو الأوكراني.
من جانبه، قال رامي القليوبي، الأستاذ الزائر بكلية الاستشراق في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان منذ بداية رئاسته يروّج لفكرة حل النزاع بين روسيا وأوكرانيا على أساس حدود التماس الحالية، إلا أن الاقتراح لم يحظ بقبول روسي آنذاك.
وأوضح القليوبي، لـ"إرم نيوز" أن روسيا وقتها كانت تحقق تقدمًا ميدانيًا وتسعى لتعزيز موقفها التفاوضي عبر توسيع سيطرتها على الأرض، ما دفعها إلى رفض إنهاء النزاع قبل تحقيق أقصى المكاسب.
وأضاف أن المعطيات تغيرت اليوم، إذ باتت موسكو تدرك أنها حققت جزءًا كبيرًا من أهدافها وأن تقدمها الميداني بلغ ذروته.
وأشار إلى وجود مؤشرات على مرونة روسية أكبر في التعامل مع الحلول السياسية، بدليل تصريحات صدرت عن الرئيس فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف.
وتابع: "هناك احتمال لتوقيع اتفاق معين بين الطرفين، لكنه رجّح أن يكون بروتوكولًا غير معلن، نظرًا لتعقيدات المشهد السياسي والقانوني، خاصة أن توقيع اتفاق رسمي قد يُعد خرقًا للدستور الروسي الذي ينص على ضم مناطق زابوروجيا وخيرسون ودونيتسك ولوغانسك بحدودها الإدارية".
وأشار إلى أن أوكرانيا بدورها تواجه مأزقًا مشابهًا، إذ إن توقيعها على اتفاق مماثل قد يُفهم كاعتراف ضمني بالسيادة الروسية على أراضٍ تعتبرها محتلة، وهو أمر غير مسبوق في الأعراف الدولية.
ورجح القليوبي أن السيناريو الأقرب للواقع سيكون التوصل إلى اتفاق ضمني أو تجميد النزاع، على غرار نماذج النزاعات المجمدة مثل الكوريتين، أو شمال قبرص، أو الخلاف حول جزر الكوريل بين روسيا واليابان.