حاول الرئيس دونالد ترامب اليوم السبت، إقناع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالقبول بمسودة اتفاق لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
وظهر الرجلان متقابلين على كرسيين بقاعة فارغة على هامش حضور مراسم جنازة البابا فرانسيس بالعاصمة الإيطالية روما.
محاولة ترامب استغلال فرصة اللقاء السريع بنظيره الأوكراني أولا في محاولة مشتركة من الرجلين تجاوز مخلفات ذلك اللقاء العاصف الأول والأخير بينهما بالمكتب البيضاوي وثانيا في محاولة من الرئيس الأمريكي دفع الجانب الأوكراني للقبول بالحلول المقترحة لتسوية في أوكرانيا خلال الأيام القليلة المقبلة.
ترامب وأعضاء فريقه الأمني والدبلوماسي من كبار أركان إدارته جعلوا من ملف الحرب في أوكرانيا واحدة من أكبر أولويات الإدارة في المائة يوم الأولى من عمر إدارته في البيت الأبيض.
ولكن حتى هذه اللحظة على الأقل لا يزال هذا الملف المعقد بطبيعته بعيدا عن تحقيق ذلك الوعد الذي كان ترامب أطلقه في مناسبات عدة في مرحلة الترشح للرئاسة عندما قال إنه سوف ينهي هذه الحرب خلال اليوم الأول من وجوده في البيت الأبيض.
لاحقا حاول ترامب أن يجعل الهدف ضمن إطار المائة يوم الأولى من حكمه باعتبار أن التقليد هنا في الولايات المتحدة جرى عادة أن يتم تقييم أداء الرؤساء الأمريكيين خلال المائة يوم الأولى من وجودهم في المكتب البيضاوي.
لم يكن ذلك اللقاء العارض بين ترامب وزيلينسكي هو الوحيد في مشهد المساعي الأمريكية المتصلة للتوصل إلى منجز في كييف بل سبقه عدة مشاهد متتابعة وجميعها يشير إلى تلك الرغبة العميقة لدى ترامب في سبيل التوصل إلى إنجاز في حرب كييف.
حديث ترامب عن جزيرة القرم.
في حديثه المطول إلى مجلة "التايم" بمناسبة انقضاء المائة يوم الأولى في البيت الأبيض تحدث الرئيس ترامب عن الكثير من التفاصيل التي تخص جهود إدارته لتسوية الأزمة الأوكرانية.
ولكن خلال حديثه ذلك أثار مزيدا من الأسئلة المتعلقة بطبيعة الخطة التي يريد أن يقترحها على الجانبين الروسي والأوكراني للتوصل إلى سلام بين الجارتين.
ولكن قبل ذلك سيكون من الأهمية بمكان التوصل إلى تسوية ترتبط بوقف لإطلاق النار قبل مباشرة عملية سياسية.
ما يقول به ترامب من أفكار تخص معالم التسوية أثار الكثير من الأسئلة في واشنطن أكثر مما قدم من إجابات خاصة على مستوى مستقبل جزيرة القرم التي تسيطر عليها القوات الروسية منذ العام 2014.
هذا الواقع القائم في الجزيرة لطالما كان محل انتقاد واضح وصريح من قبل ترامب في جميع مراحل انخراطه في العمل السياسي سواء عندما ترشح لانتخابات الرئاسة في ولايته الأولى وحتى خلال سنوات فترته الرئاسية السابقة وبعدها في حملة الترشح لولاية ثانية.
ترامب الذي أعاب موقف الرئيس الديمقراطي آنذاك، باراك أوباما ونائبه جو بايدن السماح لروسيا بالسيطرة على الجزيرة بفرض الواقع الجديد فيها يعود الآن وضمن خطته لإحلال السلام في أوكرانيا إلى القبول بفكرة استمرار السيطرة الروسية على الجزيرة كما لا يمانع في بقائها تحت سيطرة موسكو وبشكل دائم ليس وفقا للقوانين الدولية ولكن وفقا لأحكام الأمر الواقع.
هذا المقترح يخالف تماما جميع المواقف السياسية التي لطالما دافعت عنها الولايات المتحدة ولمدة عقد كامل من الزمن ومن خلال جميع مؤسساتها العسكرية والسياسية في العاصمة واشنطن من البيت الأبيض إلى الخارجية إلى البنتاغون إلى مواقف بعثاتها الدبلوماسية في المنظمات الأممية والدولية جميعها.
الأمر يتجاوز مواقف الإدارة الأمريكية إلى مواقف قادتها الولايات المتحدة عبر التحالفات الدولية في أوروبا وبقية العالم وفي هذه المواقف جميعها كانت الأدبيات السياسية تؤكد عدم قانونية الوجود الروسي في الجزيرة.
لن يكون الأمر في مقابل ذلك سهل القبول به لدى الجانب الأوكراني الذي يجد نفسه مضطرا للتعامل مع معطيات مخالفة تماما لتلك التي بنى عليها مواقفه والترويج لها أمام مواطنيه في الداخل ومؤيديه في الخارج.
ترامب وهو يواجه أسئلة مراسلي البيت الأبيض عن طبيعة المقترحات الأمريكية لإيقاف الحرب إن كانت تشكل تنازلات من الجانب الأوكراني وفيما يظهر على أنها مكاسب للجانب الروسي وردا على سؤال ما هي التنازلات التي يقدمها الجانب الروسي لتحقيق السلام في هذه الحرب.
ويرى الرئيس الأمريكي أن إيقاف الحرب من جانب موسكو في حد ذاته يعد تنازلا كبيرا من قبلها لأن أوكرانيا وفي حال عدم قبولها ستكون معرضة لخسارة أراضيها جميعها.
والديمقراطيون المنشغلون في هذه الفترة تحديدا بإعادة ترتيب أوراقهم لإطلاق عملية سياسية واسعة تحضيرا لانتخابات التجديد النصفي في الكونغرس بعد عام ونصف من الآن لا يترددون في إعلان استيائهم من تصور إدارة ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
إذ يعتقد المشرعون في الغرفتين أن مقترحات الإدارة تخدم بصورة كاملة مواقف روسيا الأصلية في هذه الأزمة خاصة عندما يتعلق الأمر بأسباب اندلاع هذه الحرب في المقام الأول.
ترامب قال في أكثر من مناسبة واحدة إن أوكرانيا مسؤولة عن الحرب عندما أعلنت رغبتها في الانضمام إلى الحلف الأطلسي وكذلك الاتحاد الأوروبي.
فيما يقول الديمقراطيون عن ذلك إنها رواية تتجاوز الواقع لأن القوات الروسية هي من اقتحمت أوكرانيا والشعب الأوكراني كان ولا يزال في حال الدفاع عن أرضه واستقلال بلاده.
هذه نقطة محورية في الخلاف السياسي القائم بين الإدارة والديمقراطيين في المجلسين في كل ما يتعلق بالنظرة إلى الحرب وإلى الموقف من موسكو إلى نوعية العلاقة والشراكة التي تجمع الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيين.
الديمقراطيون لا يرحبون بتلك الشروط التي أعلنتها موسكو في الأجزاء التي تم الكشف عنها في المرحلة الحالية من التفاوض ومنها الرفض الروسي المطلق لوجود طرف ثالث لضمان استمرار وقف إطلاق النار بين الجانبين من قوات الحلفاء الأوروبيين من الدول الأعضاء في حلف الناتو.
لأن موسكو ترى في وجود أي قوات عضوة في الحلف على مقربة من أراضيها تهديدا مباشرا لسيادتها.
ما يقول به الديمقراطيون هو أن الصيغة المقترحة لاتفاق في أوكرانيا سوف تجعل من الجهود الأمريكية الأوروبية خلال السنوات الثلاث من عمر الحرب وما سبقها من توترات في العلاقات مع موسكو تجعل من الأخيرة تظهر في صورة الطرف الذي حقق مكاسبه السياسية بأقل الخسارات.
الغضب الديمقراطي يرتبط برؤية أن التوصل إلى اتفاق في حرب كييف سوف يسمح لموسكو بطلب رفع العقوبات الاقتصادية عنها ومن هناك عودتها إلى المجتمع الدولي وينهي صورتها كبلد معتد على دولة جارة مستقلة وصاحبة سيادة.
المشهد الآخر لتلك المساعي التي تخوضها إدارة ترامب للتوصل إلى تسوية في أوكرانيا يتمثل في تلك الزيارة الجديدة التي تقود المبعوث الرئاسي ستيف ويتكوف إلى العاصمة الروسية ولقائه مرة أخرى بالرئيس بوتين ولمدة ثلاث ساعات لبحث آخر تطورات المساعي الأمريكية للتوصل إلى اتفاق في كييف.
البيت الأبيض علق بإيجابية عن أجواء المباحثات بين رجل الثقة الأول للرئيس ترامب والرئيس الروسي، وهو الأمر الذي أكده ترامب شخصيا وأضاف إلى ذلك أن الاتفاق بشأن أوكرانيا بات وشيكا.
فيما يقول مقربون من إدارة ترامب في واشنطن إن فريقه يشعر أنه أقرب إلى تحقيق انفراج في الأزمة أكثر من أي وقت سابق.
ويتكوف الذي أوكل إليه ترامب جمع ملف إدارته الحساسة جدا من غزة إلى لبنان إلى ملف إيران النووي إضافة إلى حرب أوكرانيا لم يخف هو الآخر تفاؤله في أكثر من مناسبة واحدة من إمكانية التوصل إلى اتفاق بين كييف وموسكو بوساطة أمريكية.
عندما يتعلق الحديث بتلك القمة الروسية الأمريكية بين الرئيس ترامب ونظيره الروسي لا يوجد حتى الآن موعد محدد لذلك رغم تلك الإشارات التي تحرص الحكومتان على إظهارها في كل مناسبة وتأكيد الرئيس ترامب ومسؤولي الكرملين أن اللقاء سيكون قريبا.
كانت هناك تأكيدات توقعات سابقة من البيت الأبيض أن هذا اللقاء سوف يعقد في شهر مايو المقبل بالعاصمة السعودية ولكن وحتى الآن لا يزال التأكيد الرسمي والنهائي لم يصدر عن الجانبين.
المقربون هنا من إدارة ترامب يرجحون أن تكون الفكرة المشتركة بين الرئيسين هي أن القمة المرتقبة مناسبة لإعلان إنجاز في الحرب الحالية أو للحديث عن المرحلة المقبلة من العلاقات الأمريكية الروسية في مرحلة ما بعد الاتفاق في أوكرانيا.
"عامل الزمن" يقول هؤلاء لا يزال مهما في حسابات فريق ترامب لأنهم يرغبون في تحقيق إنجاز في أوكرانيا خلال فترة المائة يوم الأولى من وجود ترامب في البيت الأبيض حتى يكون الرئيس ترامب بذلك قد حقق وعده للأمريكيين وحتى يسمح لإدارته بالتحرك تجاه قضايا أخرى كما قال بذلك وزير خارجيته ماركو روبيو.