logo
العالم

التمويل الإيراني تحت الضغط.. دعم الميليشيات يقوض نفوذ طهران الإقليمي

أحد عناصر مليشيا الحشد الشعبي في العراقالمصدر: رويترز

أكد خبراء استراتيجيون ومختصون في الشأن الإيراني أن استمرار تمويل طهران لميليشياتها، من  اليمن إلى  لبنان مروراً بالعراق، بات ذا كلفة سياسية واقتصادية مرتفعة، ويهدد بتقليص نفوذها الإقليمي، موضحين أن الأزمة المالية الإيرانية تحولت إلى معركة استراتيجية مرتبطة بمستقبل حضورها في المنطقة.

وبيّن الخبراء، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن إيران فقدت مليارات الدولارات على مدى أكثر من أربعة عقود ونصف، من دون تحقيق أي جدوى حقيقية، لتعيش الميليشيات المرتبطة بهذا المشروع اليوم، حالة انهيار عمودي شديد.

وأوضحوا أن الأزمة المالية التي تعانيها هذه الميليشيات تزيد من الضغوط على إيران، إذ من شأن ذلك أن يؤدي إلى تفكك داخل هذه الأذرع واهتزاز مواقعها أمام السلطات والحكومات في بلدانها من جهة، ومن جهة أخرى إلى خروج البيئات الحاضنة احتجاجاً على هذا الضغط الاقتصادي، مع تحميل القادة مسؤولية الفشل في إدارة الأزمات.

وهو المشهد ذاته الذي يهدد إيران نفسها بحدوث انفجار داخلي متوقع، نتيجة عجز قادة الدولة عن فك أي جزء من الحصار والاستفادة من ثروات البلاد، في ظل الفقر الذي تعيشه قطاعات واسعة من المجتمع.

ارتفاع معدلات التضخم

وتعاني إيران ضغوطاً هائلة في ظل استمرار العقوبات الدولية المفروضة عليها، والتي بلغت نقطة فاصلة مع استرجاع العقوبات الأممية المعروفة بـ"سناب باك"، في وقت يشهد فيه الاقتصاد الإيراني ارتفاعاً غير مسبوق في معدلات التضخم.

ويتزامن ذلك مع تحرك دولي تقوده الولايات المتحدة لتضييق الخناق على المسارات المالية التي كانت تعتمد عليها الميليشيات المرتبطة بإيران في المنطقة، والتي باتت اليوم في وضع لا تُحسد عليه، وغير قادرة، على أقل تقدير، على تأمين كلفة المعيشة اليومية لعناصرها وعائلاتهم.

ضغوط اقتصادية غير مسبوقة

وفي هذا السياق، يقول الخبير الاستراتيجي الدكتور محمد صالح الحربي إن إيران تتعرض لضغوط اقتصادية غير مسبوقة، لا سيما إذا ما أُخذت في الاعتبار الضربات الأمريكية والإسرائيلية التي استهدفت خلال العام الجاري مواقعها النووية ومحطاتها الحساسة، والتي تُعد سابقة أثرت بشكل مباشر وقوي، إلى جانب اغتيال قيادات عليا، سواء من السياسيين أو كبار العسكريين.

وأوضح أن ذلك وضع طهران في موقف استراتيجي بالغ الصعوبة والتعقيد، خصوصاً في ما يتعلق بقدرتها على تمويل أذرعها في المنطقة، وهي نقطة محورية في الوضع الاقتصادي الحالي.

وأضاف الحربي، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن الضربات التي تعرض لها حزب الله وقياداته، إلى جانب الاستهداف الأمريكي والإسرائيلي لمناطق حساسة في اليمن، فضلاً عن الضغوط المتزايدة على الفصائل في العراق، كان لها تأثير بالغ على هذه الأذرع، مبيناً أن ما يجري يمثل عملية فصل تدريجية بين إيران وميليشياتها في الإقليم.

تصدير الثورة

وتابع أن العقوبات الأمريكية التي أقرها الرئيس دونالد ترامب عام 2018 كان لها تأثير اقتصادي مباشر وعميق على الاستثمارات وعلى الاقتصاد الإيراني بشكل عام، ولا تزال مستمرة حتى اليوم، إذ أضعفت بشكل كبير قدرة طهران على تمويل أذرعها في المنطقة، معتبراً أن هذه النقطة من أبرز العوامل المؤثرة في تراجع النفوذ الإيراني.

وأشار الحربي إلى أن المشروع الإيراني القائم على تصدير الثورة والاعتماد على الأذرع الإقليمية فشل فشلاً ذريعاً، موضحاً أن طهران فقدت مليارات الدولارات على مدى أكثر من أربعة عقود ونصف من دون تحقيق أي جدوى حقيقية، لتعيش الميليشيات المرتبطة بهذا المشروع اليوم حالة انهيار عمودي شديد.

وأوضح أن سوريا، بعد ديسمبر 2024، أصبحت عاملاً مانعاً وحاجزاً أمام الميليشيات العابرة للحدود، وتحولت إلى نقطة فصل حقيقية بين حزب الله والفصائل الموجودة في العراق، ما أدى إلى انقطاع عمليات الاتصال بين هذه الأطراف.

وأفاد الحربي بأن طهران تحاول تعويض تراجع قدراتها التمويلية عبر شراكات مع الصين وروسيا، إلا أن هذه الشراكات لا توفر السيولة النقدية المباشرة نفسها، في وقت تستغل فيه الولايات المتحدة هذه اللحظة للضغط على الدول المضيفة لتلك الميليشيات من أجل تجفيف منابع تمويلها.

واستكمل بالقول إن استمرار التمويل بات مكلفاً سياسياً واقتصادياً لطهران، وإن تقليصه يهدد نفوذها الإقليمي، لافتاً إلى أن الأزمة المالية الإيرانية تحولت إلى معركة استراتيجية على مستقبل حضورها في المنطقة، وقد نشهد، نتيجة لذلك، إعادة تموضع شاملة للميليشيات التابعة لها إذا استمرت الضغوط.

من جهته، يؤكد الباحث في الشأن الإيراني الدكتور طاهر أبو نضال أن المرحلة الحالية تعكس بوضوح أن النظام الإيراني "مخنوق" اقتصادياً بشكل غير مسبوق، وهو ما يظهر جلياً على الصعيد الاجتماعي وله ارتدادات سياسية، في ظل إحكام العقوبات على طهران، وفي الوقت نفسه قطع كل طرق التمويل الذاتي للميليشيات.

أوراق تفاوض

وأشار إلى أن أبرز مثال على ذلك هو ما يعانيه حزب الله في ظل الحصار المفروض على جمعياته، وعلى رأسها "القرض الحسن"، والمؤسسات المالية والتجارية والمصرفية التابعة له من جهة، وفصل الميليشيا في الداخل عن أذرعها المالية في الخارج من جهة أخرى.

وذكر أبو نضال، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن النظام الإيراني، ورغم كل ذلك، لا يعطي أولوية للداخل بقدر حرصه على الاحتفاظ بهذه الميليشيات كورقة تفاوض مع القوى الدولية والإقليمية، وهو ما بدا واضحاً في تصريحات مستشار المرشد الإيراني مؤخراً، بالتشديد على دعم الأذرع، وعلى رأسها حزب الله.

وأضاف أن ذلك يدل على قناعة السلطة في طهران بأنها لا تمتلك وسائل قوة أو أوراق تفاوض سوى هذه الميليشيات، إذ إن حلّها سيغيّر كثيراً من الحسابات في التعامل العسكري الغربي مع إيران، سواء في ما يتعلق بالبرنامج النووي أو الصاروخي.

وبيّن أبو نضال أن الأزمة المالية للميليشيات تزيد الضغوط على إيران، لأنها ستؤدي إلى تفكك داخل هذه الأذرع واهتزاز مواقعها أمام السلطات والحكومات في بلدانها من جهة، ومن جهة أخرى إلى خروج البيئات الحاضنة احتجاجاً على هذا الضغط الاقتصادي، مع تحميل القيادات مسؤولية الفشل في إدارة الأزمات.

وهو المشهد نفسه الذي يهدد إيران بحدوث انفجار داخلي متوقع، نتيجة عجز قادة الدولة عن فك أي جزء من الحصار والاستفادة من ثروات البلاد، في ظل الفقر الذي تعيشه شرائح واسعة من المجتمع.

ولفت إلى أن الظروف المالية الراهنة ليست في صالح الميليشيات، في وقت تدور فيه حوارات داخل هذه الأذرع حول ضرورة الحفاظ على الحد الأدنى من التمركز داخل دولها، وتصفير أزماتها مع الحكومات المحلية، لضمان الاستمرار السياسي على الأقل، قبل أن تقدم طهران على التخلي عنها بأبخس الأثمان في إطار سعيها للتفاوض مع واشنطن، في ظل وجود ملفات حساسة، مثل سلاح حزب الله، على طاولة محادثات غير معلنة حتى الآن.

وتابع أبو نضال أن ما قامت به إيران وميليشياتها ألحق أضراراً كبيرة بالمصالح الاقتصادية لدول في الشرق الأوسط، في ظل تهديدات يومية من طهران لمحيطها وتمسكها بشعارات ولى عليها الزمن، ما يعكس فكرًا متجمدًا وغير مرن، عاجزًا عن تقديم أي مقاربات حقيقية تسهم في تحقيق الاستقرار في المنطقة.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC