رسخت إسرائيل استثناء استخدام الاغتيالات المركزة والموجهة ضد خصومها من اتفاقات وقف إطلاق النار التي توصلت إليها في قطاع غزة ولبنان، إذ باتت أداة رئيسية بمواجهة خصومها سياسيًّا وأمنيًّا.
وتلجأ إسرائيل لسياسة الاغتيالات في صراعاتها مع الفصائل الفلسطينية واللبنانية، وسط غطاء سياسي وعسكري أمريكي، وغياب أي ردع فعلي، بحسب مراقبين.
ويرى متحدثون لـ"إرم نيوز" أن إسرائيل تتعمد استخدام الاغتيالات المتكررة، سواء في غزة أو لبنان، بهدف جر المنطقة نحو تصعيد عسكري جديد، وتعطيل أي مسار سياسي قائم، ولا سيما اتفاق غزة.
المحلل السياسي رائد الدبعي قال إن "أحد أبرز دوافع الاغتيالات الإسرائيلية هو سعي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لاختلاق الأزمات بهدف العودة إلى التصعيد، الذي يعتقد أنه يخدم مصالحه الانتخابية".
وأضاف لـ"إرم نيوز": "نتنياهو يشعر بنشوة التفوق العسكري بعد العمليات الأخيرة في لبنان وقطاع غزة وإيران، وهو يرى في هذا التفوق فرصة ذهبية للتصعيد المتواصل، ليس لإدارة الصراعات بل لحسمها".
وأوضح الدبعي أن "نتنياهو ينتهج سياسة اغتيال مخصصة لكل ساحة، ففي الضفة الغربية يمنح الغطاء للمستوطنين، وفي غزة، فإن اتفاق وقف إطلاق النار هش وغير متكافئ، ولم يُلزم إسرائيل بالانسحاب الكامل، حيث لا تزال تسيطر على نحو 53% من القطاع ضمن ما يعرف بالخط الأصفر".
وتابع: "لا يوجد نص صريح يمنع إسرائيل من تنفيذ الاغتيالات أو الاعتداءات؛ ما يجعلنا نعيش مرحلة لا حرب ولا سلم، وهي الحالة التي انتقلت من لبنان إلى غزة أيضًا".
وبينّ الدبعي أن "إسرائيل لن تتوقف عن تنفيذ الاغتيالات إلا إذا واجهت رادعًا حقيقيًّا، وهو ما لا تلمسه حاليًّا على أي مستوى، وفي أي من جبهات القتال".
وأوضح أنه "منذ الـ7 من أكتوبر، تحوّل نهج إسرائيل من إدارة الصراع إلى محاولة حسمه، مستخدمة الاغتيالات كأداة رئيسية في هذا المسار، مدعومة بتفوق عسكري وغياب أي انتقاد أمريكي لما تفعله في غزة أو لبنان أو سوريا أو الضفة".
وأشار إلى أن "المرحلة المقبلة قد تشهد تصعيدًا أكبر في وتيرة الاغتيالات، لا تقتصر على غزة والضفة، بل تمتد إلى مختلف الساحات، في ظل شعور نتنياهو بامتلاكه القوة والدعم الأمريكي اللامحدود".
وقال: "الاغتيالات ستتواصل ما لم يصدر قرار أمريكي واضح بوقفها، كما حدث سابقًا حين أُجبر نتنياهو على الاعتذار لقطر، كما أن غياب توازن الردع يجعل من استمرار هذا النهج أمرًا مرجحًا جدًّا، ما سيبقي قطاع غزة في حالة جمود سياسي، ما لم يتم الضغط الأمريكي للانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق".
ويرى الكاتب والمحلل السياسي يونس الزريعي، أن عمليات الاغتيال التي تتم في ساحات غزة ولبنان، تهدف لجر الخصوم إلى العودة للمواجهة العسكرية المباشرة، والتهرب من استحقاقات اتفاق وقف إطلاق النار.
وقال الزريعي لـ"إرم نيوز": "إسرائيل كانت منذ البداية مُرغمة على القبول بخطة ترامب، حيث تطمح لأهداف أكبر، سواء بالتواجد في أراضي لبنان أو فرض وقائع ميدانية في قطاع غزة وسعت لتحقيق ذلك بوسيلة الاغتيال ".
وأوضح أن "المشروع الإسرائيلي في غزة كان واضحًا، ويهدف إلى الإبقاء على أجزاء من القطاع داخل السيطرة الإسرائيلية، إلى جانب التضييق على السكان لدفعهم نحو التهجير".
واعتبر أن عمليات الاغتيال وفق وجهة نظر القيادة الإسرائيلية أحد أسباب "جعل البيئة غير آمنة".
وأضاف: "هناك استحقاق لا بد من تنفيذه، وهو الدخول في المرحلة الثانية من الاتفاق، وتحاول إسرائيل أن تجد الذرائع لتعطيل تنفيذ الاستحقاقات القادمة".
وقال: "الاغتيالات تشير إلى اعتبارات شخصية لدى نتنياهو الذي لم يعد يمتلك قدرة تحقيق الأهداف الكبرى لا بالحرب ولا بالسياسة، لذلك باتت إسرائيل تلجأ إلى اغتيال شخصيات من الفصائل أو القوى المناهضة لها سواء في غزة أو لبنان أو حتى إيران".
وأضاف أن "الاغتيال لا يمكن أن يُنهي فصيلًا أو كتلة عسكرية كحماس أو حزب الله أو الحرس الثوري الإيراني، لأن هذه القوى تملك بنى تحتية عسكرية، وتعرف إسرائيل جيدًا أن أي شخصية يتم استهدافها لها بديل جاهز في اللحظة نفسها، لذلك فالاغتيالات لا تحقق نتائج إستراتيجية".
وأشار إلى أن التأثير الأكبر الذي تريد تحقيقه إسرائيل من عمليات الاغتيال هو التأثير في معنويات الخصوم".
وقال الزريعي: "الحرب تُخاض عادة لتحقيق أهداف سياسية كبرى، لكن إسرائيل فشلت في الوصول لتلك الأهداف، لذلك تلجأ إلى الاغتيال كوسيلة دعائية لإظهار قدرتها على الوصول، لكنها تعلم أنها لن تحقق بذلك مكاسب حقيقية".