"بوليتيكو" عن مسؤولين دفاعيين: مسؤولو البنتاغون غاضبون من تغيير اسم وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب
في لحظة بدت فيها الحرب الأوكرانية قاب قوسين أو أدنى من انفراجة، قلب الرئيس فولوديمير زيلينسكي الطاولة، معلنًا بوضوح "القرم أوكرانية.. ولن نتنازل عنها أبدًا".
وتجاهل زيلينسكي ضغوط واشنطن، وغضب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي كان يراهن على صفقة تاريخية لإنهاء النزاع.
تصريحات الرئيس الأوكراني النارية جاءت في مؤتمر صحفي حافل بالتحدي من قلب كييف.
وأكد أن "مصير الأراضي المحتلة لا تحدده الصفقات الدولية ولا الضغوط السياسية، بل الشعب الأوكراني وحده"، مشددًا على أن "القرم ستظل جزءًا من أوكرانيا في نظر القانون والتاريخ مهما طال الاحتلال".
لكن المفاجأة الأكبر جاءت من ترامب، الذي أبدى استياءه الصريح من موقف كييف، معتبرًا أن أوكرانيا خسرت شبه جزيرة القرم منذ سنوات دون أن تحرك ساكنًا عام 2014.
وبنبرة إحباط نادرة، ألمح ترامب إلى أن تصلب زيلينسكي قد يفشل أي خطة قادمة للسلام، بعدما كان يأمل في إغلاق ملف الحرب عبر صفقة تقضي بالتنازل عن القرم.
رغم ذلك، لم يبد الرئيس الأوكراني أي نية للتراجع في هذه الخطوة، حتى مع اعترافه بأن أوكرانيا تفتقر حاليًا للقدرات العسكرية اللازمة لاستعادة شبه الجزيرة.
ويرى خبراء، أن ضم أوكرانيا القرم عام 1954 كان لأسباب إدارية وتنموية، بينما اتفاقية بودابست عام 1994 كرست سيادة كييف على أراضيها.
وأشار الخبراء إلى أن شبه الجزيرة تمثل موقعًا استراتيجيًا حيويًا على البحر الأسود، حيث منحت السيطرة الروسية عليها منذ 2014 لموسكو تفوقًا بحريًا وجغرافيًا، بالإضافة إلى احتياطات الغاز الهائلة التي تمتلكها، ما يجعلها ورقة حاسمة في الصراع مع جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة.
وأكدوا في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن القرم تظل أولوية قصوى لموسكو، إذ تمثل منفذها البحري الرئيس وقاعدة نفوذها الإقليمي، وأن روسيا لن تتخلى عنها تحت أي ظرف.
وأوضحوا أن رفض الرئيس الأوكراني الاعتراف بالسيادة الروسية على القرم لا يغير من واقع السيطرة الروسية.
وأشاروا إلى أن زيلينسكي يفتقر إلى أوراق تفاوضية حقيقية، ويعتمد فقط على التصعيد الإعلامي، وسط تراجع الدعم الغربي واستعداد شعبي للتنازل عن الأراضي مقابل إنهاء الحرب.
بداية، قال كارزان حميد، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأوروبية، إن شبه جزيرة القرم تمثل واحدًا من أهم المواقع الاستراتيجية على البحر الأسود، وأن السيطرة الروسية عليها منذ عام 2014 وفرت لموسكو حرية حركة أوسع، بالإضافة إلى إحكام قبضتها على بحر آزوف بعد ضم أربعة أقاليم أوكرانية مطلة عليه.
وأكد حميد، في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز"، أن الدراسات الاستراتيجية تشير إلى امتلاك القرم احتياطات ضخمة من الغاز، بجانب موقعها الحيوي في خطوط التجارة الدولية عبر البحر الأسود.
وأضاف أن موسكو تنظر إلى السيطرة على القرم كخطوة استراتيجية متقدمة، تجعل منها رأس حربة في أي مواجهة مستقبلية مع جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة، خاصة مع إشراف الجزيرة على أبخازيا الجورجية الخاضعة للنفوذ الروسي.
وأشار الخبير في الشؤون الأوروبية، إلى أن تمسك الرئيس الأوكراني برفض الاعتراف بالسيادة الروسية على القرم لا يغير من الواقع الميداني شيئًا، بل يساهم في تصلب موقف موسكو، وأن زيلينسكي يفتقر إلى أوراق تفاوضية مؤثرة، خاصةً إلى أن نسبة الأوكرانيين في القرم لا تتجاوز 10% من السكان.
وأوضح أن هناك وثيقتين رئيستين تتناولان وضع القرم؛ الأولى أمريكية ترى أن الجزيرة أصبحت روسية بشكل نهائي، نظرًا لعجز كييف عن استعادتها، بينما الثانية أوروبية - أوكرانية تقترح تأجيل حسم مصير القرم إلى ما بعد توقيع اتفاق سلام دائم، مع اعتماد خطاب دبلوماسي أكثر مرونة.
وأضاف المحلل السياسي، أن زيلينسكي يعتقد أن استعادة القرم قد تمكنه من ضرب العمق الروسي وشل الحركة البحرية لموسكو، إلى جانب استغلال الموارد الطبيعية لتعزيز القدرات العسكرية والاقتصادية لأوكرانيا.
وشدد على أن كييف تفتقر إلى خطة عملية لاستعادة الجزيرة أو المدن الشرقية، معتمدًا فقط على "التصريحات الإعلامية النارية" التي أسفرت عن المزيد من الخسائر البشرية دون نتائج ميدانية.
ولفت إلى أن زيلينسكي ارتكب خطأ استراتيجيًا بتوجيه قواته نحو مدينة كورسك بدلًا من تركيز الجهود على تحرير القرم، ما أدى إلى إنهاك الجيش الأوكراني بوتيرة متسارعة.
وأوضح حميد أن الدعم الغربي لكييف يشهد تراجعًا ملحوظًا، مستشهدًا بإلغاء لندن خطط إرسال قوات برية إلى أوكرانيا؛ خوفًا من التصعيد العسكري مع روسيا، خصوصًا قرب شبه جزيرة القرم.
واختتم الخبير في الشؤون الأوروبية تصريحاته بالتأكيد أن استعادة القرم باتت شبه مستحيلة، مشددًا على أن الملف يستخدم سياسيًا وإعلاميًا لكسب الوقت، وسط تزايد المخاوف من خطر تقسيم أوكرانيا وتعرضها للدمار الكامل.
من جانبه، قال د. نبيل رشوان، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن زيلينسكي لا يستطيع التنازل رسميًا عن الأراضي الأوكرانية، مضيفًا: «لو فعل ذلك، فلن يبقى في الحكم لحظة واحدة بسبب رفض القوميين الأوكرانيين القاطع لأي تنازل».
وأوضح رشوان، في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز"، أن روسيا تتمتع بحق تاريخي أكبر في شبه جزيرة القرم تحديدًا، والتي ضُمت إلى أوكرانيا عام 1954 بقرار من الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف لأغراض تنموية وسياحية.
وأشار إلى أن الأزمة تفاقمت بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991، حين أصبحت أوكرانيا دولة مستقلة، مع توقيع «اتفاقية بودابست» عام 1994 التي ضمنت حدودها بما فيها القرم.
وتطرق المحلل السياسي إلى التناقض الروسي حيال القرم، موضحًا أن موسكو، خلال حكم ديمتري ميدفيديف، وقعت اتفاقية مع كييف عام 2010 لتأجير قاعدة "سيفاستوبول" البحرية لمدة 42 عامًا مقابل الغاز.
وتساءل الخبير في الشؤون الروسية، كيف تعترف روسيا بتأجير قاعدة في أراضٍ تعتبرها تاريخيًا جزءًا منها؟ معتبرًا أن هذا الموقف عزز قناعة الأوكرانيين بملكيتهم للقرم.
وأكد أن القرم تمثل رئة روسيا البحرية والاستراتيجية، وأن موسكو بدونها تخسر ميزات جيوسياسية رئيسة، مشددًا على أن روسيا، حتى لو انسحبت يومًا من أقاليم خيرسون وزاباروجيا ودونيتسك ولوغانسك، فستبقى متمسكة بالقرم.
ولفت رشوان إلى أن القرم منطقة متعددة القوميات، وأن أوكرانيا حاولت ترسيخ سيادتها عليها عبر تعيين رستم أوميروف، أحد أبناء تتار القرم، وزيرًا للدفاع.
وأضاف أن الولايات المتحدة تلعب دورًا رئيسًا في إدارة الملف، في ظل تردد دول حليفة لروسيا مثل الصين في الاعتراف الرسمي بسيادة موسكو على الجزيرة.