بين مؤشرات الفتور الغربي وتراجع الحماس لدعم كييف، يلوح موقف جديد قد يعيد رسم ملامح الصراع في أوكرانيا.
يأتي ذلك في ظل أن الحديث عن توقف المساعدات الأمريكية لم يعد مجرد تكهنات أو تسريبات إعلامية، بل تحول إلى تصريحات مباشرة تكشف عن تحول جذري في تعاطي واشنطن مع الحرب الدائرة منذ أكثر من 3 سنوات.
وفي خطوة قد تعد إيذانًا بمرحلة مختلفة، تداولت وسائل الإعلام الأوكرانية رواية صادمة عن تعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعدم تقديم أي دعم إضافي للقيادة الأوكرانية.
وأعلن النائب الأوكراني ألكسندر دوبينسكي أن ترامب أبلغ زيلينسكي خلال لقاء جمعهما على هامش قمة حلف "الناتو" في لاهاي أنه لا ينوي الاستمرار في مساعدة كييف.
وأكد ترامب أنه لا يريد، بشكل قاطع، تقديم يد العون أو منح زيلينسكي فرصة استغلال اللقاء لإظهار صورة مضللة حول دعم أمريكي مزعوم يبرر استمرار العمليات العسكرية.
وأوضح دوبينسكي، الذي يواجه اتهامات بالخيانة العظمى، أن ترامب يعمل بكل الطرق الممكنة على ألا يمنح القيادة الأوكرانية أي مبرر للترويج لهذا التصور.
وفي مؤتمر صحفي عقده لاحقًا، أكد ترامب أنه لم يناقش مسألة وقف إطلاق النار مع زيلينسكي.
وأشار إلى أن القرار بشأن المساعدات الأمريكية سيُتخذ لاحقًا، وهو ما يعزز الشكوك حول بداية انسحاب تدريجي من التزام واشنطن تجاه الحرب الأولكرانية.
وفي ضوء هذه التطورات، تثار تساؤل حول ما إذا كانت تصريحات ترامب تمهيدًا لانسحاب أمريكي تدريجي من الملف الأوكراني، وهل بدأت واشنطن بالفعل التخلّي عن أوكرانيا؟.
وأكد خبراء، أن تصريحات ترامب بشأن وقف الدعم العسكري لكييف ليست مفاجئة، إذ تتسق مع مواقفه المتقلبة، وعدائه المعروف للرئيس الأوكراني.
وقال الخبراء في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز" إن قرارات واشنطن لا تعتمد فقط على إرادة الرئيس، بل تشترك فيها مصالح واسعة داخل الكونغرس والمجمع الصناعي العسكري، ما يجعل أي إعلان عن إنهاء المساعدات خطوة رمزية لا تعني بالضرورة توقف تدفق الأسلحة أو التمويل فورًا.
وقال د. آصف ملحم، مدير مركز "JSM" للأبحاث والدراسات، إن المواقف المتقلبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليست جديدة، خاصة أن تصريحاته الانفعالية، وعدم تعمقه في جذور الأزمات الدولية، تجعلها، في كثير من الأحيان، غير ملزمة على مستوى السياسات طويلة المدى.
وأكد في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز"، أن ترامب ربما أبلغ نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بنيته عدم الاستمرار في تقديم الدعم العسكري لكييف، لكن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة ستوقف مساعداتها بالكامل أو تتراجع عن إستراتيجيتها في الملف الأوكراني.
وأشار إلى أن القرار الأمريكي لا يصنعه الرئيس منفردًا بل تشترك فيه دوائر واسعة من المصالح لا سيما المجمع الصناعي العسكري.
وأضاف أن هناك قوى داخلية في واشنطن مستفيدة من استمرار الحرب، وتمارس ضغوطًا من خلال الكونغرس ومجلس الشيوخ لإبقاء الدعم قائمًا.
ولفت إلى أن ترامب شخصيًا لا يُخفي عداءه لزيلينسكي، ويميل أكثر إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو ما يؤثر على خطابه السياسي، لكنه قد يضطر إلى تعديل مواقفه تحت ضغط هذه الجهات المؤثرة.
وتابع ملحم أن "جذور الصراع بين روسيا وأوكرانيا أعمق من أن تُحل بتغير موقف رئاسي".
وأشار إلى أن الولايات المتحدة لن ترفع العقوبات عن روسيا في الوقت القريب نظراً لارتباط استمرار الحرب بمصالح اقتصادية وصناعية.
ولفت إلى أن الأسلحة ستواصل التدفق إلى أوكرانيا، وأن الأوروبيين رفعوا ميزانيات الدفاع بنسبة 5%، ما يدل على أن التحالف الغربي لا يزال متمسكًا بمسار المواجهة، رغم ما يُقال عن تباينات داخل حلف الناتو.
وفيما يتعلق بالتكنولوجيا العسكرية، أوضح ملحم أن هناك تحولًا في سلاسل الإمداد، إذ باتت بعض الدول الأوروبية تسعى إلى نقل تكنولوجيا صناعة الطائرات المسيّرة الأوكرانية إلى داخل أراضيها، لتقليل الاعتماد على مصادر خارجية، خاصة الصين.
وذكر أن أوكرانيا قادرة على تصنيع نحو 8 ملايين طائرة مسيرة سنويًا، وهو ما فتح المجال أمام تعاون عسكري جديد مع دول، مثل: ألمانيا، والنرويج، وبريطانيا، والدنمارك.
وأوضح مدير مركز "JSM" للأبحاث والدراسات، أن الدعم الغربي لأوكرانيا سيستمر، لكن قد تتغيير آلياته، وأن أوروبا تتجه نحو بناء قاعدة صناعية عسكرية مستقلة لدعم كييف بعيدًا عن تعقيدات التمويل المباشر أو القروض، خاصة في ظل المخاوف من الفساد داخل أوكرانيا.
من جانبه، قال د. سمير أيوب، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن فوز دونالد ترامب بولاية رئاسية ثانية وتوليه الرئاسة مجددًا كان له أثر بالغ على المشهد الأوكراني والدول الغربية، التي لا ترغب في إنهاء الصراع بناءً على الأمر الواقع الذي فرضته روسيا ميدانيًا، أو وفقًا للمطالب التي قدمتها موسكو إلى حلف شمال الأطلسي في مقدمتها تحييد أوكرانيا.
وأضاف أيوب، في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز"، أن الحديث عن توجه الرئيس ترامب إلى تقليص أو تعليق الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا ليس مفاجئاً غير أن الإدارة الأمريكية الحالية لا تزال تواصل دعم كييف، سواء بالمعلومات الاستخباراتية أو بإمدادات السلاح.
وأشار إلى أن تعليق المساعدات العسكرية المحتمل، إن حدث هذا، سيكون تنفيذًا لتحذيرات سابقة وجهها ترامب للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بعدم إمكانية الاستمرار في دعمه دون نتائج ملموسة على الأرض، تمكن الجيش الأوكراني من تحقيق تقدم يقلب موازين القوى، ويدفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى مائدة المفاوضات، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.
وتابع أيوب: "روسيا والولايات المتحدة باتتا تدركان محدودية قدرة نظام كييف على إحراز أي تقدم حقيقي، وهو ما انعكس في قمة الناتو الأخيرة في لاهاي، حيث لوحظ غياب الرئيس الأوكراني بالتزامن مع وجود ترامب في دلالة على تراجع مكانة كييف لدى بعض الدول الأوروبية، لا سيما في ظل مطالبة ترامب لها بزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي، ومواصلة الصراع مع روسيا في حال رفض المطالب الروسية".
وأشار الخبير في الشؤون الروسية، إلى أن العالم يمر، الآن، بمرحلة انتقالية حاسمة، وأن إدارة ترامب الثانية ستكون أمام مفترق طرق، إما تحقيق وعودها الانتخابية بإنهاء الحروب، أو الانخراط في صراعات جديدة لا أحد يعلم إلى أين ستقود.
وأكد أن الأزمة الأوكرانية تمثل التحدي الأكبر أمام ترامب، وأن تعليق المساعدات الأمريكية لكييف إن ثبت، سيكون بمثابة نهاية الحرب، وعلى النظام الأوكراني أن يعترف بالهزيمة لتفادي خسائر أكبر، خاصة في ظل تعقيد الوضع العسكري في خاركيف وسومي، وسيطرة روسيا شبه الكاملة على دونيتسك.