logo
العالم

"طوق اتفاقيات أمنية".. واشنطن تحارب فنزويلا عبر جيرانها

مروحية أمريكية تهبط بقاعدة في بورتوريكوالمصدر: رويترز

فيما تمارس الإدارة الأمريكية أعلى درجات الضغط السياسي على نظام الرئيس نيكولاس مادورو في كاراكاس، تؤكد مصادر عسكرية أمريكية استكمال واشنطن تطويق فنزويلا بجملة من الاتفاقيات العسكرية والأمنية مع جيرانها، تحت غطاء "الحرب على إرهاب المخدرات". 

أخبار ذات علاقة

سفير فنزويلا لدى الأمم المتحدة

فنزويلا : نواجه "أكبر عملية "ابتزاز" أمريكية في تاريخنا

وفي تصريح يؤكد سعي واشنطن لتغيير القيادة السياسية في كراكاس، قالت وزيرة الأمن الداخلي الأمريكية كريستي نويم، إن على الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو "الرحيل".

وفي مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز"، تحدثت نويم عن السفن التي تتهمها واشنطن بالاتجار بالمخدرات، وقالت إنّ "الأمر لا يقتصر على اعتراض هذه السّفن، بل إننا نبعث أيضًا برسالة إلى العالم مفادها أن النشاط غير القانوني الذي يشارك فيه مادورو لا يمكن أن يستمر، وعليه الرحيل".

وتعتبر تصريحات "نيوم" حلقة جديدة من مسلسل تكثيف الضغط السياسي والإعلامي الأمريكي على مادورو، والذي وصل حدّ اتهامه بقيادة "كارتيل الشمس"، المصنف بأنه منظمة إرهابية لتهريب المخدرات، كما عرضت مكافأة قدرها 50 مليون دولار مقابل معلومات تؤدي إلى توقيفه.

طوق أمني أمريكي

الضغوط الأمريكية لا تقف عند المنحى السياسيّ والدبلوماسيّ، إذ تجاوزته نحو المنحى العسكري، فباتت فنزويلا مطوّقة باتفاقيات عسكرية أبرمتها واشنطن مع جيرانها في منطقة الكاريبي وفي أمريكا اللاتينية على حدٍّ سواء.

وتسمح هذه الاتفاقيات للقوات الأمريكية بالانتشار بالتّناوب وباستعمال القواعد العسكرية للإغارة على السفن والبواخر التابعة لعصابات المخدّرات والجريمة المنظمة في منطقة الكاريبي.

وتؤكد المصادر الإعلامية والسياسية اللاتينية أنّ إبرام اتفاقيات عسكرية جديدة أو تفعيل اتفاقيات قديمة مع دول الطوق الفنزويلي خلال فترة وجيزة، يؤكد عزم واشنطن ليس فقط التخلص من نظام مادورو، بل تغيير المشهد اللاتيني برمته، حيث تتجه النية إلى إسقاط الأنظمة السياسية في كوبا ونيكاراغوا، بعد الانتهاء من فنزويلا.

وتشير التقديرات في أمريكا اللاتينية إلى أنّ الإستراتيجية الأمريكية الحالية تعمل على تفعيل مبدأ الرئيس الأسبق "مونرو"، حيث يكون الفضاء اللاتيني بمثابة العمق الإستراتيجي والأمن القوميّ والحدائق الخلفية الفعلية لأمريكا، وهي مبادئ لا تتأتى إلا بتجريف الأنظمة اليسارية من جهة، والحيلولة دون أيّ تغوّل صيني اقتصادي أو توغل روسي سياسي من جهة ثانية.

وتستمد هذه التقديرات السياسية شرعيتها الفكرية من طبيعة وهوية النخبة السياسية الحاكمة في واشنطن، حيث يمثل قائد الدبلوماسية الأمريكية ماركو روبيو، أحد صقور التيار الجمهوريّ، وأحد أعمدة الخيارات المتشددة حيال أمريكا اللاتينية.

ورفض روبيو في وقت سابق مصالحة الرئيس الأسبق باراك أوباما مع كوبا، وفعّل ضدّها منظومة العقوبات السياسية والاقتصادية، وهو الذي يتبنى الربط التلازمي بين محاربة المخدرات وإسقاط مادورو، ويبدو أنه هو الذي أقنع الرئيس دونالد ترامب بذلك.

جيران فنزويلا ينقلبون عليها

وفي تكريس لكلّ ما سبق ذكره، يبدو أنّ واشنطن نجحت خلال الفترة الأخيرة في إحكام الطوق الأمني على كاراكاس، من خلال إبرام اتفاقيات أمنية أو إعادة تفعيل اتفاقيات عسكرية سابقة مع جيران فنزويلا.

خلال الفترة الماضية، أبرمت إدارة الرئيس ترامب اتفاقيات عسكرية مع كل من باراغواي والإكوادور والبيرو وترينيداد وتوباغو، كما فعّلت اتفاقيات تعاون أمني سابق مع بنما وغويانا والدومينيكان، في مشهد يُثبت جديّة واشنطن في الإطاحة بالنظام الفنزويلي.

ومؤخرًا، تمّ نشر أفراد من القوات الجوية الأمريكيّة في قاعدة "مانتا" الجوية في الإكوادور، تحت عنوان تنفيذ عملية مكافحة المخدرات المؤقتة.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، صادق "كونغرس البيرو" على طلب الإدارة الأمريكية نشر أفراد عسكريين واستخباراتيين أمريكيين لتنفيذ عمليات عسكرية مشتركة ضدّ الإرهابيين المرتبطين بالمخدرات.

كما تمّ توقيع اتفاق مع باراغواي لنشر مؤقت للقوات الأمريكية لتأمين الأغراض العسكرية السابقة ذاتها، وهو اتفاق تزامن تقريبًا مع سماح ترينيداد وتوباغو (التي تبعد عن فنزويلا 7 أميال بحرية فقط)، بنصب نظام رادار أمريكي، مع السماح للقوات الأمريكية باستعمال مطاراتها العسكرية.

وأعادت واشنطن تفعيل واستغلال قواعدها العسكرية في بورتوريكو وهندوراس، ومراكز المراقبة في مطارات أروا وكوراساو والسلفادور.

اصطفاف لاتيني غير مسبوق

ووفقًا للمراقبين، فإنه للمرة الأولى من عقود طويلة، تختار غالبية دول أمريكا اللاتينية المعروفة بتاريخها اليساري وبتقاليدها السياسية المناهضة لواشنطن، الاصطفاف السياسي والعسكري لفائدة الولايات المتحدة الأمريكية ضدّ طرف لاتيني. 

أخبار ذات علاقة

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

تحت شعار "النفط أمريكي".. ترامب يمهّد لعمل عسكري وشيك ضد فنزويلا

ورغم أنّ كافة الاتفاقيات القديمة المُفعلة، أو الجديدة النافذة، حملت عنوان مكافحة "إرهاب المخدرات"، فإنّها تصبّ جميعها في خانة إسقاط النظام في فنزويلا.

ومن المرجح في حال سقوط نيكولاس مادورو أن يمتد ذلك للأنظمة اليسارية التقليدية على غرار كوبا ونيكاراغوا، وقد تصل شظايا الجموح الأمريكي إلى كولومبيا وتشيلي.

"محاربة الإرهاب" عبارة مفتاحية

وفي سياق قراءتها لمضمون الاتفاقيات، تشير المصادر السياسية والإعلامية المطلعة إلى أنّ عبارة محاربة "إرهاب المخدرات" تمثل عبارة تلازمية سواء في خطاب المسؤولين الأمريكيين أو في نصوص الاتفاقيات.

وتعتبر في هذا السياق، أنّ استعمال هذه العبارة له دلالات سياسية وعسكرية لافتة، فمن جهة هو فعل تصنيفي للأطراف الرسمية وغير الرسمية التي يتهمها بالضلوع في الترويج للمخدرات بأنّها جهات إرهابية.

ومن جهة ثانية، فإن هذا يُنزّل أيّ عملية عسكرية أمريكية لمكافحة المخدرات، في إطار العمليات العسكرية ضدّ الإرهاب، وهو إطار واسع يبدأ بالعمليات الاستباقية ولا ينتهي عند إمكانية خوض الحروب دون ترخيص من الكونغرس الأمريكي. 

أخبار ذات علاقة

مسيرة داعمة لفنزويلا في كوبا

الحصار الأمريكي على نفط فنزويلا يضع كوبا أمام "شبح الانهيار"

ويبدو أنّ استعمال عبارة "الحرب ضدّ إرهاب المخدرات"، وتضمينها في بعض نصوص الاتفاقيات المبرمة حديثًا، تسعى من خلاله واشنطن إلى تعريف حربها ضدّ فنزويلا بـ "الحرب على الإرهاب".

وهو مسعى يطمح عبره ترامب إلى الالتفاف على الكونغرس الأمريكي، وذلك لغرضين اثنين، الغرض الأول الابتعاد عن مساءلات الديمقراطيين وانتقاداتهم للأداء العسكري وللتكلفة المالية للحرب والجدوى منها، وهي مسائل تؤرق جدّّا ترامب الذي يريد "شيكا على بياض" في حربه وسلمه، على حدٍّ سواء.

أمّا الغرض الثاني، فهو قناعته الراسخة بأنّ الكونغرس القادم سيكون ديمقراطيًّا، وأنّ انتخابات التجديد النصفي القادمة ستمنح التيار الديمقراطي أسبقية لا بأس بها، وقد كشفت انتخابات عمدة نيويورك عن هوى انتخابيّ ديمقراطيّ لا تخطئه عيون المراقبين. 

أخبار ذات علاقة

ناقلة نفط فنزويلية

ترامب يشعل الكاريبي.. ماذا وراء استيلاء واشنطن على "سكيبر"؟

 ووفقًا لقراءات سياسية أمريكية مطلعة، فإنّ تطويع التصعيد العسكري نحو الملمح "الإرهابي"، يشير إلى رغبة ترامب في استكمال أهدافه العسكرية والسياسية في أمريكا اللاتينية خلال ولايته الرئاسية المتبقية، وتجنب أي احتكاك مع التيار الديمقراطي الذي يبدو أنه سيكتسح انتخابات التجديد النصفي للكونغرس وسيفرض السيناريو الكابوس على ترامب، والمتمثل في "البطة العرجاء".

وطالما أنّ نية ترامب تتجه للاكتفاء بعهدة رئاسية ثانية، وعدم الدخول في مكاسرة قانونية ودستورية لاجتراح "فتوى دستورية" بولاية رئاسية ثالثة، فإنّ أمام الجمهوريين وصقور اليمين الأمريكي 3 سنوات فقط، لـ"تنظيف الحدائق الخلفية" من اليسار، والحيلولة دون أيّ تقدم صيني أو روسي، في ما بات يعرف اليوم بـ"العمق الإستراتيجي الأمريكي".

ويعمد المراقبون والمتابعون للشأن اللاتيني إلى وصف العقيدة والرؤية الأمنية الأمريكية الجديدة بـ "ملحق ترامب" لمبدأ "مونرو" في أمريكا اللاتينية.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC