وصولاً إلى البابا الجديد روبرت فرانسيس بريفوست، تعاقب على المنصب 266 بابا فاتيكان، وقد أدى عدد من الباباوات منذ العصور الأولى للمسيحية دورًا محوريًا في تشكيل ملامح الكنيسة الكاثوليكية والعالم الغربي بأسره.
ومن غريغوار الأول إلى يوحنا بولس الثاني، تعاقب على الكرسي الرسولي رجال تركوا بصمة لا تُمحى، سواء عبر إصلاحات جريئة أو مواقف عقائدية صارمة، في مواجهة التغيرات السياسية والاجتماعية الكبرى.
كما حفر بعضهم اسمه في الذاكرة الجماعية بحكمته وشجاعته، فيما ارتبطت سيرة آخرين بفضائح ومواقف مثيرة للجدل.
وسلطت صحيفة "لوموند" الفرنسية، الضوء على أبرز الباباوات الذين تركوا أثراً بارزاً في التاريخ الكنسي والسياسي، مستعرضة كيف أسهم كل منهم في رسم معالم الكنيسة المعاصرة.
البداية مع البابا غريغوار الأول (590–604)، المعروف بـ"غريغوار الكبير"، الذي يُعد أحد أبرز آباء الكنيسة، فقد عزز النفوذ البابوي وسط الاضطرابات السياسية بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية، وكان له دور في إرساء قواعد الليتورجيا الغربية ونشر المسيحية في بريطانيا، وبفضله أصبح منصب البابا مركز ثقل روحي وسياسي في أوروبا.
أما في القرن الحادي عشر، فقد أدى غريغوار السابع دوراً بارزاً في "إصلاحات الكنيسة"، بحيث خاض صراعاً شهيراً مع الإمبراطور هنري الرابع فيما عُرف بـ"صراع التنصيب"، مؤكداً استقلالية السلطة الروحية عن الهيمنة الزمنية، وهو ما مهد لاحقاً لفكرة الفصل بين الكنيسة والدولة.
وشهدت القرون التالية باباوات تركوا بصماتهم في سياقات مختلفة.
ليو العاشر، في بداية القرن السادس عشر، تزامن عهده مع بداية الانقسام البروتستانتي، وكان رد فعله أحد العوامل التي دفعت مارتن لوثر لإشعال فتيل الإصلاح الديني.
أما بيوس التاسع (1846–1878)، فكان شاهداً على انهيار السلطة الزمنية للبابوية، معلناً نفسه "أسير الفاتيكان" بعد ضم روما إلى إيطاليا الموحدة، لكنه ترك إرثاً عقائدياً ثقيلاً بإعلان عقيدة الحبل بلا دنس ومجمع الفاتيكان الأول.
وفي القرن العشرين، أعاد يوحنا الثالث والعشرون (1958–1963) الحيوية إلى الكنيسة عبر عقد المجمع الفاتيكاني الثاني، الذي أحدث تحولات ليتورجية وعقائدية عميقة، أبرزها الانفتاح على العالم الحديث وتعزيز الحوار بين الأديان.
جاء بعده بولس السادس، الذي واجه تحديات تطبيق قرارات المجمع، وكرّس الانفتاح البابوي على السياسة الدولية.
لكن الحضور العالمي بلغ ذروته مع يوحنا بولس الثاني (1978–2005)، أول بابا غير إيطالي منذ قرون، الذي أسهم في انهيار الشيوعية في أوروبا الشرقية من خلال دعمه الصريح لحركة "تضامن" البولندية، وسعيه الدائم نحو حوار الأديان، رغم مواقفه المتشددة بشأن القضايا الأخلاقية.
رغم هذه المآثر، لم تكن سيرة الباباوات جميعاً ناصعة، فقد ارتبط بعضهم بالفساد والترف كما في حالة ألكسندر السادس، من أسرة بورجيا، الذي يُعد رمزاً لانحطاط الكرسي الرسولي في نهاية القرن الخامس عشر، ما عجّل في انطلاق حركات الإصلاح والاحتجاج الديني.
وخلص التقرير إلى القول إن الفاتيكان لا تزال اليوم تحمل إرث هؤلاء الرجال، يتنقّل بين القداسة والسياسة، وبين الإيمان والتحديات المعاصرة، في مشهد يعكس تعقيدات التاريخ الكنسي ودوره المستمر في تشكيل العالم الحديث.