يحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إنهاء الحرب في أوكرانيا من زاوية مختلفة، تتمثل بخطة تستهدف تجفيف مصادر التمويل الروسية، ليس من خلال الضغط على موسكو مباشرة، بل بـ"معاقبة" الدول التي تشتري النفط الروسي، وعلى رأسها الصين والهند.
واعتبر خبراء أن هذه العقوبات سلاح ذو حدين، حيث قد تؤدي إلى تعزيز التماسك الداخلي في روسيا بدلًا من إضعافها، ما يصعب من فرص تحقيق اختراق حقيقي في الأزمة.
وبحسب شبكة "سي إن إن"، فإن هذه الخطة قد تؤدي إلى رفع أسعار الطاقة عالميًا، وسط تحذيرات من احتمال انهيار سوق النفط، ما يعني أن كلفة هذا التحرك قد تطال الجميع، بما في ذلك المستهلك الأمريكي.
وتُعد الصين والهند من أكبر مستوردي النفط الروسي، وبالتالي فإن فرض عقوبات عليهما يمثل محاولة لحرمان روسيا من أهم مواردها المالية التي تمكّنها من الاستمرار في الحرب.
وتباينت آراء الخبراء حول خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرامية إلى وقف الحرب في أوكرانيا من خلال قطع التمويل عن روسيا، عبر فرض عقوبات اقتصادية على شركائها الرئيسين مثل الصين والهند، حيث رأى بعضهم أنها قد تُشكل وسيلة ضغط فعالة على موسكو.
ولفت الخبراء لـ"إرم نيوز"، إلى أن الاعتماد الكبير لتلك الدول على السوق الأمريكية يمنح واشنطن قدرة على التأثير، مشيرين إلى أن الخطة تعكس تحوّلًا استراتيجيًا من المواجهة العسكرية إلى استخدام أدوات الاقتصاد لفرض تسوية تُنهي الصراع.
في المقابل، اعتبر خبراء آخرون أن الاعتماد المفرط على العقوبات قد لا يحقق النتائج المرجوة، إذ من غير المرجح أن تتراجع روسيا عن أهدافها الاستراتيجية تحت الضغط المالي فقط، وفق قولهم.
وأشاروا إلى أن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى تصعيد ميداني وتوترات أوسع، بل وقد ترتد سلبًا على الاقتصاد العالمي، بما في ذلك الأسواق الأمريكية.
واعتبروا أن العقوبات سلاح ذو حدين، وقد تؤدي إلى تعزيز التماسك الداخلي في روسيا بدلًا من إضعافها، ما يصعب من فرص تحقيق اختراق حقيقي في الأزمة.
ويرى توفيق حميد، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأمريكية، أن خطة ترامب لوقف التمويل عن روسيا من خلال العقوبات الاقتصادية المرتقبة، خاصة على الصين والهند، اللتين تعتمدان بشكل كبير على النفط الروسي، قد تمثل "ضربة قاصمة" لموسكو وتجبرها على إنهاء الحرب في أوكرانيا.
وفي حديثه لـ"إرم نيوز"، أكد حميد أن التهديد الأمريكي لا يقتصر على روسيا فقط، بل يشمل الدول التي تتعامل معها اقتصاديًا، ما يُعد تحولًا في الموقف الأمريكي تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وأضاف أن روسيا تحاول التحايل على العقوبات، لكن الاستراتيجية الأمريكية لا تقوم على المواجهة العسكرية، بل ترتكز على ورقة العقوبات الاقتصادية لفرض شروطها على موسكو.
وأشار إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعتمد في سياساته على مبدأ الصفقات والعقلية الاقتصادية، كما حدث في الاتفاق التجاري مع بكين، موضحًا أن دولًا كالهند اضطرت في السابق إلى دفع رسوم جمركية لصالح الولايات المتحدة بسبب الضغط الاقتصادي الأمريكي.
ولفت إلى أن الولايات المتحدة تملك قوة اقتصادية هائلة تمكنها من فرض شروطها على الدول، مستغلة حجم سوقها الضخم الذي يبلغ تعداده نحو 350 مليون نسمة، بمتوسط دخل سنوي للفرد يتجاوز 50 ألف دولار، وهو ما يجعل السوق الأمريكي هدفًا مغريًا لكبرى اقتصادات العالم.
وتابع: "طالما أن هذه الدول مهتمة بالسوق الأمريكي، فإنها ستخشى التعامل مع روسيا في حال فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على هذا التعاون، خاصة أن روسيا تُعد سوقًا صغيرًا نسبيًا مقارنةً بالاقتصاد الأمريكي الذي يُعد الأكبر في العالم".
وكشف حميد أن هذه الإجراءات ستشكل ضغطًا كبيرًا على العملاقين الآسيويين، الصين والهند، خلال فترة الخمسين يومًا المقبلة، وهي المهلة التي منحها ترامب لبوتين، مرجحًا أن تشهد هذه الفترة اتفاقًا محتملًا لإنهاء الأزمة الأوكرانية.
وأضاف أن بوتين قد يسعى إلى الخروج من الأزمة بـ"حفظ ماء الوجه"، عبر تسوية تتيح له تبرير وقف العمليات العسكرية.
واعتبر أن الضغط الاقتصادي الأمريكي قد يُثمر عن وقف الحرب، لكن في المقابل قد تستغل موسكو المهلة لتعزيز مكاسبها الميدانية بكسب مزيد من الأراضي لاستخدامها كورقة تفاوض لاحقًا.
من جانبه، أكد سمير أيوب، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، أن الاعتقاد بأن العقوبات الغربية المفروضة على روسيا وشركائها يمكن أن تُنهي الصراع الدائر بين موسكو والغرب في أوكرانيا هو «اعتقاد خاطئ»، مشيرًا إلى أن هذه الإجراءات لن تُرغم روسيا على التراجع عن أهدافها الاستراتيجية والعسكرية.
وقال المحلل السياسي، في تصريحات خاصة لـ«إرم نيوز»، إن العقوبات قد تؤدي إلى إطالة أمد الصراع وتكبيد موسكو خسائر اقتصادية ومالية، كما أن تسليح أوكرانيا بأسلحة أكثر تطورًا قد يُلحق خسائر بالجيش الروسي، لكنها لن تدفع القيادة الروسية للتراجع عن مطالبها.
وأشار إلى أن العقوبات الأوروبية لا تُلحق الضرر بروسيا فقط، بل ترتد سلبًا على الدول التي تفرضها، خصوصًا الأوروبية، مؤكدًا أن معظم الإجراءات العقابية انعكست بنتائج عكسية على الاقتصادات الغربية.
ولفت إلى أن محاولات الولايات المتحدة، خاصة من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، للضغط على الصين والهند باعتبارهما من أكبر مستوردي الطاقة الروسية قد تؤدي إلى "فوضى كبيرة" في الأسواق العالمية، بل وحتى داخل السوق الأمريكي نفسه، إذا ما تم فرض رسوم جمركية كبيرة عليهما.
وأضاف أيوب أن اعتماد الغرب على العقوبات والتهديدات لتقويض الموقف الروسي قد يؤدي إلى تصعيد أكبر، وربما خطوات روسية عسكرية أكثر حدة على الجبهة، مشددًا على أن «العقوبات سلاح ذو حدين»، إذ يمكن أن تعزز الاعتماد على الموارد الوطنية، وتقوي الروح القومية داخل المجتمع الروسي.
وتابع: "ما يُفرض على روسيا ليس موجهًا ضد الرئيس بوتين فقط، بل ضد الشعب الروسي، وهو ما قد يساعد القيادة الروسية في تعبئة الرأي العام المحلي حول فكرة أن الحرب وجودية، وليست مجرد دفاع عن السلطة كما يروّج الإعلام الغربي".
وأكد سمير أيوب أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبدى استعدادًا للتفاوض، لكن الحل لا يمكن أن يأتي من خلال التهديد أو التصعيد العسكري، مشيرًا إلى أن العلاقات بين موسكو وواشنطن لم تصل بعد إلى المستوى الكفيل بحل الصراع بشكل فعّال.
وأضاف أن روسيا لم تعد ترى جدوى في المفاوضات المطروحة حاليًا، وتُرجّح أن أي حلول واقعية قد تأتي فقط عبر ملفات جزئية، مثل تبادل الأسرى أو الجثث، وليس من خلال مبادرات غربية تتجاهل المطالب الروسية.
وحذر أيوب من أن تصعيد التسليح الغربي لأوكرانيا، خصوصًا مع المهلة التي حددها ترامب لروسيا بـ 50 يومًا، قد يجر المنطقة إلى حرب أوسع تشمل دولًا أخرى، خاصة إذا رأت موسكو أن استخدام أسلحة متطورة أو إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا يُمثل تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي.