رئيس الوزراء الياباني يقرر التنحي من منصبه
بعد نحو 3 سنوات ونصف على بدء الحرب الروسية الأوكرانية، لم يعد السؤال في كييف اليوم حول كسب المعارك، بل حول القدرة على البقاء في ساحة القتال.
في النصف الأول من عام 2025، تلقت القوات المسلحة الأوكرانية ضربة مزدوجة، ما بين خسائر بشرية فادحة وفرار جماعي غير مسبوق.
ووفقًا لمعطيات النيابة العامة في كييف، فقد الجيش الأوكراني ما لا يقل عن 190 ألف جندي بين قتيل وفار، في مؤشر خطير على تراجع القدرة القتالية.
وشهد العام الجاري منذ بدايته، تعدادًا بشريًا يقدَّر بنحو 880 ألف عسكري، لكن هذا الرقم سرعان ما بدأ في الانحدار. ورغم السرية التي تحيط بملف التعبئة العسكرية في أوكرانيا، فإن التقديرات والتصريحات المتاحة تكشف فجوة واسعة بين ما تحتاجه الجبهات وما تقدر عليه الدولة.
في أبريل/ نيسان الماضي، قدر قائد القوات الأوكرانية ألكسندر سيرسكي الحاجة إلى تعبئة 30 ألف جندي شهريًا لتعويض الخسائر، إلا أن الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي نفسه وصف هذا الرقم بأنه مرتفع جدًا، مشيرًا إلى أن القدرة الواقعية لا تتجاوز 27 ألف جندي شهريًا، بل إن متوسط عام 2024 لم يتخط 17 ألف مجند شهريًا، بحسب صحيفة "واشنطن بوست".
ورغم ذلك، أقر النائب رسلان جوربينكو من حزب "خادم الشعب" بأن المعدلات الحقيقية للتجنيد لا تتجاوز 10 آلاف شهريًا، ما يعني أن عدد من تم ضمهم للجيش خلال ستة أشهر لم يتجاوز 60 ألفًا في أحسن الأحوال، وهو رقم لا يغطي حتى ثلث الخسائر.
وعلق كارزان حميد، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأوروبية، بأن الأزمة الأوكرانية لم تعد محصورة في ميدان المعركة فقط، بل امتدت لتشمل بنية الدولة والمجتمع.
وأكد فشل كييف في إنشاء مؤسسات ديمقراطية قادرة على إدارة الأزمات منذ استقلال البلاد في تسعينيات القرن الماضي.
وأضاف حميد، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن مظاهر الانقسام المجتمعي وتراجع الروح الوطنية تتجلى في التهرب الجماعي من الخدمة العسكرية، ورفض قطاعات واسعة من الأوكرانيين المشاركة في القتال.
وأشار إلى أن حالة الانقسام الحاد داخل المجتمع الأوكراني تُضعف الجبهة الداخلية وتمنع بلورة مشروع وطني جامع، موضحًا أن الوطن في زمن الحرب عادة ما ينقسم إلى فئتين، إحداهما تتكاتف للدفاع عنه، وأخرى تتهرب من المسؤولية، وفي الحالة الأوكرانية، طغت فكرة الاعتماد على الغرب، لا على الذات، ما أنتج أزمة هوية حقيقية.
وذكر حميد أن السلطات الأوكرانية فتحت العام الماضي تحقيقات بحق أكثر من 60 ألف جندي فروا من مواقعهم، وهو رقم يفوق الضعف مقارنة بإجمالي حالات الفرار خلال عامي 2022 و2023.
وأشار إلى أن لواء المشاة 123 شهد واقعة لافتة، حيث تخلى عناصره عن مواقعهم في محور فوهليدار، وعادوا إلى ميكولاييف ونظموا احتجاجًا ضد قيادة الجيش، وهو سلوك يرقى قانونيًا إلى التمرد العسكري.
ولفت الخبير في الشؤون الأوروبية إلى أن قانون خفض سن التجنيد من 27 إلى 25 عامًا لن يغير في موازين القوى، إذ يواجه التجنيد الإجباري مقاومة مجتمعية واسعة، بسبب تفشي الفساد داخل المؤسسة العسكرية، وعجزها عن تأمين الدعم اللوجستي الأساسي، كالذخائر والطعام.
واتهم حميد القيادة الأوكرانية بالاستمرار في إنكار الواقع، عبر الحديث المتكرر عن خسائر روسيا دون الاعتراف بالإخفاقات الذاتية، مستشهدًا بإبادة وحدة عسكرية كانت قد سيطرت على مدينة كورسك الروسية في أغسطس آب 2024، قبل أن يتم تدميرها بشكل كامل في هجوم روسي مضاد.
ومن جانبه، قلل رامي القليوبي، الأستاذ بكلية الاستشراق بالمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، من موثوقية الأرقام المتداولة مؤخرًا حول خسائر الجيش الأوكراني.
وأشار إلى أن معظمها نُقل عن وكالة تاس الروسية الرسمية، التي بدورها استندت إلى مصادر مفتوحة، وليس إلى بيانات رسمية صادرة عن كييف.
وأكد القليوبي، في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن تضخيم خسائر الخصم يعد من الأدوات التقليدية في الحروب النفسية والإعلامية، وأن كل طرف في النزاع يستخدم لغة الأرقام لتحقيق مكاسب دعائية.
وأضاف أن الرئيس الأوكراني زيلينسكي أعلن مؤخرًا عن مقتل 46 ألف جندي منذ بداية عام 2025، وقد يكون هذا الرقم قد ارتفع لاحقًا، لكنه لا يقترب بأي حال من الأرقام التي يتم تداولها حاليًا، كحديث البعض عن سقوط 196 ألف قتيل في ستة أشهر، وهو رقم بعيد عن المنطق أو الحسابات الميدانية.
وشدد القليوبي على أن روسيا توظف الأرقام الضخمة كأداة للضغط النفسي على أوكرانيا، فيما ترد كييف بسرديات معاكسة، تتحدث عن خسائر فادحة في صفوف الجيش الروسي، وهو ما يعبر عن حرب دعائية متبادلة أكثر من كونه تقييمًا دقيقًا للواقع العسكري.
وأشار الخبير في الشؤون الروسية إلى أن الطرفين باتا يتجهان تدريجيًا نحو تقليل الاعتماد على القوات البشرية، لصالح تكثيف استخدام الطائرات المسيرة في ميادين القتال، لما توفره من خفض في الخسائر البشرية، وعدم إثارة الرأي العام الداخلي في أي من البلدين.
وأكد أن هذا النمط القتالي بات السمة المميزة للمرحلة الراهنة من الحرب، مشيرًا إلى أن الطائرات المسيرة لم تعد سلاحًا تكتيكيًا فحسب، بل عنصرًا استراتيجيًا يعيد تشكيل طبيعة المعارك في أوكرانيا وخارجها.