من البلطيق إلى لندن، ومن شرق أوروبا إلى غربها تبدو القارة العجوز في حالة استنفار واستعداد جدي لما تقول إنه تهديد روسي وشيك، وسط تقديرات بأن المواجهة ربما تكون حتمية ولكن تبقى ساعتها تحديدا مجهولة.
وتوالت تحذيرات المسؤولين السياسيين والعسكريين الأوروبيين من أن الحرب مع روسيا باتت شبه حتمية، في خطاب غير مسبوق يعكس تصاعد المخاوف الأمنية في القارة ويكشف "تحولا نفسيا عميقا" لقارة أعادت بناء نفسها بعد حربين عالميتين على أساس خطاب يقوم على الانسجام والازدهار الاقتصادي المشترك.
ونادرا ما يمر أسبوع دون أن تصدر حكومة أوروبية، أو قائد عسكري، أو أمني خطابا قاتما يحذر الرأي العام من حرب محتملة مع روسيا.
وجاء اجتماع هلسنكي الذي ضم 8 قادة أوروبيين الثلاثاء ليؤكد هذه المخاوف التي أججتها الاستراتيجية الأمنية الأمريكية التي طرحها ترامب الأسبوع الماضي وخلفت قناعة راسخة لدى الأوروبيين بأنّ "فك الارتباط" مع واشنطن بات أمرا واقعا وضروريا.
وجاء في إعلان ختامي للاجتماع وقّع عليه القادة أن "الوضع يتطلب منح أولوية قصوى للخاصرة الشرقية للاتحاد الأوروبي من خلال نهج عملياتي منسق ومتعدد المجالات".
وأضاف القادة أن ذلك يشمل "الإمكانيات القتالية البريّة والدفاع بالمسيرات والدفاع الجوي والصاروخي وحماية الحدود والبنى التحتية الحيوية والتنقل العسكري والحراك المضاد".
وشددوا على أن الخاصرة الشرقية لأوروبا هي مسؤولية مشتركة و"يتعيّن الدفاع عنها بشكل عاجل وعبر القيادة والتصميم".
وقبل أيام شبه المستشار الألماني، فريدريش ميرتس، استراتيجية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا باستراتيجية هتلر العام 1938، حين استولى على إقليم السوديت ذي الأغلبية الألمانية في تشيكوسلوفاكيا، قبل أن يواصل احتلال أجزاء واسعة من القارة.
وبحسب ميرتس فإن روسيا لن تكتفي بأوكرانيا إن سقطت وستوسع حربها على دول أخرى في أوروبا.
وجاء ذلك بعد أيام من خطاب للأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، مارك روته، حذر فيه من أن "الحرب على أبوابنا"، وأنه "علينا أن نكون مستعدين لحرب شبيهة بما واجهه أجدادنا"، مضيفا أن روسيا قد تكون مستعدة لاستخدام القوة العسكرية ضد الناتو خلال 5 سنوات.
وكان رئيس أركان الجيش الفرنسي حذر مؤخرا، من أن فرنسا معرضة للخطر، ويجب عليها أن تكون مستعدة لتقبل فقدان أبنائها.
وخلصت تقديرات أمنية واستخباراتية فرنسية في وقت سابق إلى أن الحرب مع روسيا قد تندلع في أفق سنة 2030.
وتترافق هذه التحذيرات مع مخاوف من أن إدارة ترامب ذات "النزعة الانعزالية" قد لا تلبي النداء لمساعدة أوروبا في حال وقوع أي هجوم.
وتنص استراتيجية الأمن القومي الأمريكية، التي نشرت هذا الشهر، على أن الولايات المتحدة ستسعى لمنع انتشار الحرب في أوروبا وإعادة إرساء الاستقرار الاستراتيجي مع روسيا، من دون تصنيف موسكو كـ"عدو" للمرة الأولى منذ سنوات.
وفي المقابل، حمل التقييم السنوي للتهديدات في بريطانيا، الذي ألقته رئيسة جهاز الاستخبارات الخارجية (إم آي 6) بلايز متريولي، نبرة مختلفة، إذ حذرت من أن روسيا ستواصل محاولات زعزعة استقرار أوروبا.
وتمثل هذه الرسائل تحولا عميقا، فقد بني الاتحاد الأوروبي بدعم وتشجيع من واشنطن لمنع تكرار الحروب الشاملة التي دمرت القارة في القرن العشرين، وجرى تقليص الإنفاق العسكري، وتوجيه الأموال نحو الإنفاق الاجتماعي.