حذّر خبراء سياسيون فرنسيون من أن التصويت على الثقة في حكومة رئيس الوزراء فرنسوا بايرو يمثل الاختبار الأخطر للرئيس إيمانويل ماكرون منذ بداية ولايته الثانية، معتبرين أن فشل الحكومة في حصد الدعم الكافي يوم 8 سبتمبر/ أيلول قد يفتح الباب أمام سيناريوهات غير مسبوقة في تاريخ الجمهورية الخامسة.
وأوضح الباحث السياسي الفرنسي والخبير في الشؤون الحزبية، دومنيك رينيه، أن أي سقوط لحكومة بايرو سيؤدي إلى مرحلة من عدم الاستقرار العميق قد تعجل بحل الجمعية الوطنية وإعادة الانتخابات.
كما حذّر الباحث في العلوم السياسية، جان كلود دومينيك، من جامعة باريس الثانية، من أن فرنسا قد تدخل في شلل مؤسساتي مع تصاعد نفوذ كل من اليسار الراديكالي والتجمع الوطني على حد سواء.
تشهد الساحة السياسية الفرنسية انقسامات حادة بعد خطاب بايرو حول الميزانية والإصلاحات الاقتصادية، فقد أعلنت كتل سياسية وازنة معارضتها المطلقة للحكومة، في مقدمتها حزب التجمع الوطني بزعامة جوردان بارديلا، وحزب فرنسا الأبية بقيادة جان لوك ميلاونشون، إضافة إلى حزب الخضر وحلفائهم، والحزب الاشتراكي بقيادة أوليفييه فور.
وأكدت هذه القوى أنها ستصوت ضد منح الثقة، ما يجعل موقف بايرو هشًا داخل البرلمان ويزيد احتمالات أزمة سياسية عميقة.
على الجانب الآخر، أعلن حزب الجمهوريين تصويته لصالح الثقة بالحكومة، وقال رئيس الحزب برونو ريتايو إن إسقاط الحكومة سيكون تصويتًا ضد مصلحة فرنسا، مشيرًا إلى أن تدخل حزبه يهدف لتفادي الفوضى وصعود اليسار المتطرف.
لكن هذا الدعم لم يمنع الجدل داخل الحزب، فقد اعتبر بعض قيادات اليمين أن بايرو لم يقدم برنامجًا واقعيًا لمعالجة أزمة الديون العامة، ما يضع الحكومة في موقف دقيق أمام الشارع والسياسيين على حد سواء.
وفي مواجهة الدعم المحدود من الجمهوريين، وصف زعيم اليمين المتطرف جوردان بارديلا قرار الحزب بدعم الحكومة بالخيانة، مضيفًا أن الحكومة اختارت طريق الانهيار ولم تعد سوى رفيق لانحدار فرنسا.
كما هاجم إريك سيوتي من اتحاد اليمين للجمهورية الجمهوريين، معتبرًا أنهم أسرى للماكرونية حتى الهاوية.
من جانبها، أكدت مارين تونديلييه من حزب الخضر أن اليسار وائتلافاته مستعدون للحكم، مشيرة إلى أن بايرو سيكون الضحية الثالثة بعد فشل رئيسي الحكومة السابقين اللذين فرضهما ماكرون.
ولم يقتصر الاهتمام على الداخل الفرنسي، بل سلطت وسائل الإعلام الأجنبية الضوء على الأزمة.
صحيفة "Le Soir" البلجيكية قالت إن حظوظ بايرو ضئيلة للغاية، بينما توقعت "Le Temps" السويسرية أن يفتح الوضع فترة طويلة من الاضطراب.
وفي إسبانيا، قالت صحيفة "El Mundo" إن خريفًا ملتهبًا ينتظر فرنسا، في حين ذكرت "La Repubblica" الإيطالية أن حكومة بايرو ترتجف وأن الخطة الاقتصادية مغامرة سياسية محفوفة بالمخاطر.
وفي بريطانيا، أكدت "الغارديان" أن فرنسا على أعتاب أزمة سياسية أعمق إذا سقطت الحكومة، بينما ركزت "نيويورك تايمز" الأمريكية على ضغوط بايرو على البرلمان لإنهاء انفجار الدين العام.
وفي محاولة لتجنب الأزمة، أعلن بايرو أنه سيلجأ إلى المادة 49.1 من الدستور، التي تسمح لرئيس الوزراء بربط بقاء حكومته ببرنامجها، لكن الخطر يكمن في أن أي رفض من الأغلبية سيضطره دستوريًا لتقديم استقالته للرئيس.
وتستخدم هذه الآلية منذ عام 1958، إلا أن جميع الحكومات السابقة كانت تملك أغلبية مريحة، وهو ما يفتقده بايرو اليوم.
من جانبه، أكد رئيس الكتلة الاشتراكية، بوريس فالود، أن حزبه سيصوت ضد الثقة، معتبرًا أن خطاب بايرو عنيف وغير عادل ويزيد نقمة الشارع، مضيفًا أن الحكومة لا تبحث عن حلول، بل عن هروب سياسي، مشددًا على أن تغيير السياسة يستلزم تغيير رئيس الوزراء نفسه.
ويشير الخبراء إلى أن السيناريوهات المحتملة تتراوح بين تمرير الثقة بأغلبية ضيقة، مما يبقي بايرو في منصبه لكن حكومته ستظل ضعيفة ومهددة بالسقوط عند أي مواجهة جديدة، أو سقوط الحكومة، إذ قد يضطر بايرو لتقديم استقالته.
وقد يلجأ الرئيس ماكرون إلى تعيين شخصية توافقية أو حل الجمعية الوطنية، وصولًا إلى احتمال إجراء انتخابات مبكرة تعزز نفوذ اليسار أو التجمع الوطني، وهو ما قد يغيّر جذريًا ميزان القوى السياسي في فرنسا، بحسب الخبراء.