أكد خبراء اقتصاديون وسياسيون أن المواجهة بين الحكومة الفرنسية برئاسة فرنسوا بايرو وحزب الاشتراكيين تدخل مرحلة حاسمة مع اقتراب عرض مشروع الموازنة لعام 2026.
وكشف الحزب بقيادة أوليفييه فور عن "موازنة مضادة" تحمل مقترحات بديلة تهدف إلى تخفيف حدة التقشف الحكومي، مع الحفاظ في الوقت نفسه على هدف تقليص العجز العام.
هذه الخطة الجديدة تفتح باباً لمواجهة سياسية محتدمة قد تصل إلى تهديد الحكومة بالرقابة البرلمانية.
وقال برونو كوترييه، المتخصص في شؤون الأحزاب والرأي العام في مركز الدراسات السياسية في باريس (Cevipof)، لـ"إرم نيوز" إن ما يجري بين حكومة فرنسوا بايرو والحزب الاشتراكي يعكس عمق الأزمة السياسية التي تشهدها فرنسا.
وأضاف أن "الموازنة لم تعد مجرد أداة تقنية لتوزيع الموارد، بل تحولت إلى ساحة اختبار للقوة بين الحكومة والبرلمان، كما أنها مؤشر على هشاشة التوافق السياسي في ظل تزايد الاستقطاب".
وأوضح كوترييه أن تهديد الاشتراكيين بالرقابة على الحكومة يعكس إدراكهم لتراجع شعبية بايرو، ورغبتهم بفرض أنفسهم كقوة بديلة داخل المشهد السياسي الفرنسي.
بدوره، قال الاقتصادي الفرنسي إيلوي لوران، الباحث في معهد الدراسات الأوروبية في جامعة السوربون، إن الخلاف حول حجم التخفيضات يعكس اختلافاً في الرؤية الاقتصادية بين الحكومة والاشتراكيين.
وأضاف لوران لـ"إرم نيوز" أن "اقتراح خفض 43 مليار يورو دفعة واحدة يحمل مخاطر كبيرة على النمو والاستهلاك، وقد يؤدي إلى ركود اقتصادي يصعب الخروج منه".
وأشار إلى أن خطة الاشتراكيين البديلة، القائمة على ضرائب على الأغنياء وإصلاحات انتقائية، تبدو "أكثر واقعية في المدى القصير"، لكنها تظل رهناً بقدرة الدولة على تنفيذها دون إضعاف الثقة الاستثمارية.
وأكد أن المعضلة الحقيقية تكمن في إيجاد توازن بين خفض العجز المالي، وتفادي إضعاف المحرك الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.
مع اقتراب المؤتمر الصحفي المفاجئ الذي دعا إليه فرنسوا بايرو بعد ظهر الإثنين، بدأ الحزب الاشتراكي بالكشف عن معالم خطته المالية التي عمل عليها طوال الصيف.
فبينما يقترح رئيس الوزراء خفضاً قاسياً بقيمة 43 مليار يورو، يصفه الاشتراكيون بأنه "غير قابل للتطبيق" و"كارثي" على الاستهلاك وفرص العمل، يرى الحزب أن المبلغ المنطقي يجب أن يتراوح بين 20 و30 مليار يورو فقط.
وشدد زعيم الحزب أوليفييه فور في تصريحاته، السبت الماضي، على أن الاشتراكيين "لن يقدموا أي تنازل" بشأن هذه الموازنة، محذراً الحكومة من أن المضي في الخطة الحالية قد يعرضها لرقابة برلمانية صارمة قد تصل إلى إسقاطها.
الموازنة البديلة التي صاغها الاشتراكيون ترفض بشكل واضح الإجراءات الأكثر جدلاً في خطة بايرو، مثل إلغاء يوميْ عطلة رسمية أو فرض "سنة بيضاء" في الحسابات المالية، واللتين تمثلان وحدهما وفراً يقارب 11 مليار يورو.
ويقترح الحزب بدلاً من ذلك فرض ضريبة جديدة على الأثرياء يمكن أن تدر ما يصل إلى 15 مليار يورو لخزينة الدولة، إلى جانب خفض بقيمة 6 مليارات في بعض بنود الإنفاق الصحي، و3 مليارات إضافية من مراجعة الإعفاءات الممنوحة للشركات.
وقالت نائبة اشتراكية بارزة في الحزب إن "هذه التدابير البديلة تؤكد أننا لا نغلق باب النقاش، لكن بشرط أن تعيد الحكومة صياغة خطتها بالكامل".
وبينما يستعد بايرو لتقديم خطته في مؤتمر صحفي وُصف بالمفاجئ حتى داخل أوساط حكومته، يواصل الاشتراكيون استعراض مقترحاتهم خلال جامعاتهم الصيفية المنعقدة في مدينة بلوا.
ويرى مراقبون أن الأزمة حول الموازنة ليست مجرد نقاش حول الأرقام، بل هي اختبار لقدرة بايرو على إدارة توافق سياسي في وقت تتسع فيه الجبهة المعارضة لخطته من مختلف الاتجاهات الحزبية.