تخوض السويد حربًا ضد الشبكات الإسلاموية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، لكن دون ضجيج، بل بكثير من الهدوء، وبخطوات مدروسة في دولة حذرة وحساسة حيال أي "شبهة انتهاك" قد تمس سمعتها في مجال الحقوق والحريات الفردية، وصون ثقافة التعدد والتسامح.
ورغم هذا الاهتمام الذي توليه الدولة الاسكندنافية لمسألة "الوئام المجتمعي"، فإنها تحرص في الوقت ذاته، على قطع الطريق أمام أي طارئ قد يعكر صفو هذا التعايش.
خطت السويد خلال العام الذي شارف على الانتهاء خطوات ملموسة وجدية ضد "الشبكات الإسلاموية"، وخاصة تلك المرتبطة بجماعة الإخوان، وهو ما اعتبرته مصادر خاصة "انعطافة" في سياسة البلاد.
وتوضح المصادر الخاصة أن هذا التحول الرسمي تجلى من خلال عدة معطيات، إذ كشفت السلطات فضائح مالية ضخمة في مؤسسات تعليمية، كما أغلقت بعضا منها، فضلا عن فتح تحقيقات، وتكثيف الملاحقة والمراقبة ضد المشتبه بهم ممن يتخذون من تلك المؤسسات غطاء لنشر التطرف.
ومن المعروف أن بيئة الدول الإسكندنافية، ولا سيما السويد، القائمة على حرية التنظيم وتساهل الرقابة الحكومية، سمحت بتأسيس عشرات الجمعيات والمساجد والمدارس. ولأن الجالية المسلمة غالبا ما تحتاج إلى بنية مؤسسية تساعدها على الاستقرار، فقد أصبحت هذه الجمعيات نقطة جذب أساسية لها.
وتقول المصادر الخاصة إن المؤسسات المتأثرة بفكر الإخوان اتسمت بقدرتها على استغلال هذا المناخ الحر عبر استخدام خطاب مزدوج يظهر الاعتدال في الفضاء العام، إذ تتحدث عن أهمية التعايش واحترام القانون والاندماج، بينما تروج لخطاب مناقض، في الخفاء، عبر توجيه رسائل متشددة حول ضرورة المحافظة على الهوية الثقافية والدينية بنبرة تقترب من الانعزال، ومهاجمة قيم المجتمع المضيف، خاصة فيما يتعلق بدور المرأة والحرية الشخصية والعلاقات الاجتماعية.
وتشير المصادر الخاصة إلى أن السويد، التي تحترم حرية الدين المعتقد، أسقطت قناع الازدواجية، فلم تعد تنظر إلى تلك المؤسسات والجمعيات بوصفها أداة للنشاط الدعوي والديني والثقافي فحسب، بل كجهات يمكن أن تمثل خطرا على أموالي دافعي الضرائب، وعلى القيم الديمقراطية الراسخة في ثقافة البلاد.
ونشرت صحيفة "اكسبريسن"، التي تعد واحدة من أكبر وأهم الصحف في البلاد، تحقيقا، الشهر الفائت، كشفت خلاله فضيحة مالية طالت شبكة من المدارس وروضات الأطفال التي تُدار من قبل "إسلامويين" في مدن مختلفة في السويد، وكيف تم استخدامها لاستغلال التمويل العام بطرق غير قانونية، عبر فواتير مزورة، وشركات وهمية، وتحويلات مالية مشبوهة.
ولم تكن هذه القضية هي البداية لتحرك السويد في محاصرة الإخوان، بحسب مصادر خاصة، بل أقدمت سابقا على خطوات تحد من "سطوة الإسلام السياسي" في بلد يعيش فيه نحو مليون مسلم، أي ما يعادل نحو 10% بالمئة من عدد السكان.
وقد أغلقت السويد، في فترات سابقة، بعض المدارس الخاصة الإسلامية بناء على توصيات من جهاز الأمن الداخلي السويدي باعتبارها بيئات تروج لـ"أيديولوجية إسلاموية راديكالية"، كما جرى لمدرسة "النهوض" في العاصمة، ومدرسة "الإمام" في مدينة أوبسالا بعد أن رأت السلطات أن بيئة هاتين تشجّع انفصال الطلبة عن المجتمع الأوسع، وتُعزّز انعزالًا ثقافيًا، وهو ما يتعارض مع مبادئ التعليم في السويد.
وفي مدينة غوتنبرغ، ألغت السلطات رخصة مدرسة روموس (تبعا لاسم المنطقة) وهي من أقدم المدارس الإسلامية الخاصة في السويد، بعد قضية فساد، وتم الحكم على مديرها بالسجن بتهمة اختلاس نحو 12 مليون كرونة (نحو مليون دولار أمريكي).
وتلفت المصادر الخاصة إلى أن هذه الوقائع وغيرها لا يمكن اعتبارها حالات منفصلة عن المزاج السياسي العام الذي بات ينظر إلى بعض المؤسسات التعليمية، التي تديرها الإخوان، كمصدر للخطر، تشكل تهديدا للقيم الديمقراطية وتعزل شريحة مجتمعية ضمن "غيتو" تعليمي منغلق.
ولم تتوقف الإجراءات السويدية عند الإغلاق أو التحقيق، بل وصلت إلى حد سن تشريعات جديدة، فالحكومة السويدية كانت قدمت مشروع قانون يهدف إلى منع "مدارس دينية مستقلة" من التوسع أو فتح فروع جديدة اعتبارًا من 2024.
وبهذا المعنى، فإن السويد شرعت في إعادة رسم الخط الفاصل بين المدارس والجمعيات العادية، وبين ما يماثلها من مؤسسات تخضع لأجندة الإخوان، إذ تشير المصادر إلى أن حصول الأخيرة على الترخيص والتمويل بات أمرا مشروطا باتباع أعلى درجات الشفافية والامتثال لقوانين البلاد.
واللافت أن المجتمع السويدي أصبح بدوره مؤيدا لهذه الإجراءات ضد الجمعيات والمؤسسات التعليمية التي تتبع في غالبيتها للإخوان، فالخطر لا يقتصر على الفساد المالي بل على تآكل القيم الديمقراطية، كما تقول المصادر الخاصة التي توضح أنه عندما تُنشأ مدارس تُروّج للفصل بين الجنسين، وتكرس العزلة الثقافية، وترفض الاندماج، وتربية الأطفال على أيديولوجيات متشددة... فإن كل ذلك يهدد تماسك المجتمع، وهو ما يدفع السويديين إلى تأييد السياسات الحكومية.
والسؤال المطروح في ضوء ما تقدم هو: هل من الممكن أن تتطور الإجراءات السويدية ضد شبكات الإخوان لتصل إلى حد حظر الجماعة؟
ترجح المصادر الخاصة أن ثمة دلائل تجعل هذا السيناريو ممكنا، ففي الآونة الأخيرة أولت استوكهولم أهمية متزايدة لقضية "التغلغل الإسلامي" داخل جمعيات ومدارس خاصة يُشتبه بأنها مرتبطة بالإخوان، خصوصا في أعقاب تقارير أوروبية رسمية حذرت من خطر الجماعة.
وعززت هذه التقارير جهود السويد لإطلاق جولة مراجعة رسمية لواقع تلك المؤسسات، مع تشديد الرقابة على التمويل الأجنبي، وإبداء الاستعداد لمساءلة المؤسسات الجمعيات التي يُشتبه في تحويل الدعم العام إلى أغراض غير قانونية.
وترى المصادر الخاصة أنه إذا استمرت التحقيقات وظهرت أدلة قانونية إضافية بشأن دعم أنشطة متطرفة، أو غسيل أموال، أو إنشاء "بنى موازية" تهدد بنية المجتمع، فقد تذهب السويد إلى حد تصنيف الجماعة أو أذرع منها باعتبارها خطرا أمنيا يستوجب الحظر.
يشار إلى أن القانون السويدي لمكافحة الإرهاب، وتعديلاته عام 2023 يمنح الدولة القدرة على ملاحقة الأفراد والمنظمات التي تدعم أو تمول نشاطات إرهابية، أو تنخرط في تجنيد أو تجهيز بنيات تحتية تهدد الأمن، ويشمل ذلك تمويل الشبكات، والتحريض على أعمال عنف، أو التخطيط لنشاطات تهدد السلم الأهلي.
وبحسب القانون، فإن أي تنظيم يظهر نشاطا ممنهجا، مرتبطا بالإرهاب، يمكن أن يتعرض للحظر، ويتم تجميد أصوله، وملاحقة قياداته قضائيا، وهو ما يضع جماعات مثل الإخوان ضمن دائرة الرقابة القانونية، وتحت اختبار صعب، من المرجح أن تخفق في اجتيازه، وفقا للمصادر الخاصة.