أكد مستشار الحكومة الألمانية لمكافحة الإرهاب، البروفسور مهند خورشيد، أن هناك تحوّلًا تدريجيًا في النظرة الأوروبية حيال تطرف جماعة الإخوان المسلمين.
وأوضح خورشيد الذي يشغل منصب عضو في الهيئة الاستشارية لوزارة الداخلية الألمانية لمكافحة الإسلام السياسي، في حوار مع "إرم نيوز"، أن توجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتصنيف "الإخوان" تنظيما إرهابيا سيحرج الحكومات الأوروبية، وحال تنفيذه سيكون ضربة تنظيمية كبيرة للجماعة على المستوى الدولي، وعلى شبكات واسعة من الجمعيات والمراكز التي تعمل تحت مظلات قانونية في أوروبا وهي تابعة للتنظيم الدولي.
وقال خورشيد، إن جماعة الإخوان في القارة العجوز استفادت من هامش الحرية في الديمقراطيات الأوروبية، لصالح بنيتها التنظيمية والمالية العابرة للحدود.
وبيّن خورشيد أن هناك أصواتا في أوروبا تدعو إلى التفريق الدقيق بين الإخوان والإسلام، وتحذّر من أن أي مقاربة شمولية وغير دقيقة قد تؤدي إلى ظلم كثير من المسلمين الذين لا علاقة لهم بجماعات الإسلام السياسي "المتشددة".
وأوضح أن "الإخوان" استغلوا حاجة اللاجئين في أوروبا باستقطاب أبنائهم للفكر المتطرف، مشيرا إلى أن أغلب المسلمين في أوروبا يعانون من التطرف الإخواني، وأن الجماعة تعاني من تراجع شعبيتها في العالم العربي، بجانب انقسامات داخلية في التنظيم.
وإلى نص الحوار..
جاء توجه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتصنيف جماعة الإخوان تنظيماً إرهابياً نتيجة عاملين رئيسيين، الأول هو التحالف السياسي والفكري بين إدارة ترامب وعدد من الحلفاء الإقليميين الذين يعتبرون الإخوان تهديداً مباشراً لأمنهم القومي.
أما الثاني فيتعلق برؤية الإدارة الأمريكية للإسلام السياسي باعتباره بوابة نحو التطرف العنيف، وأن خطاب الإخوان يمهّد أيديولوجياً لنشأة جماعات أكثر راديكالية.
لذلك حاولت الإدارة الأمريكية أن تعيد صياغة سياستها تجاه الحركات الإسلامية بإدراج الإخوان في منظومة التهديدات العابرة للحدود، رغم وجود خلاف داخل المؤسسات الأمريكية حول جدوى هذا النهج وتعقيداته القانونية والسياسية.
مثل هذا التصنيف -حتى لو لم يُنفَّذ بشكل كامل- يوجّه ضربة رمزية وتنظيمية كبيرة للإخوان على المستوى الدولي.
الجماعة تعتمد بشكل واسع على صورتها كحركة "شرعية" و"مدنية"، وعلى شبكات واسعة من الجمعيات والمراكز التي تعمل تحت مظلات قانونية في أوروبا وهي تابعة للتنظيم الدولي.
وأي خطوة أمريكية من هذا النوع ستجعل كثيراً من الحكومات الأوروبية في موقف حرج، وتدفعها إلى إعادة تقييم علاقتها مع مؤسسات مرتبطة بالإخوان، خصوصاً في ملفي التمويل والشفافية، كما ستضع ضغوطاً إضافية على التنظيم الدولي للإخوان، الذي يعاني أصلاً من تراجع شعبيته في العالم العربي وانقسامات داخلية.
يمكن القول إنّ هناك تحوّلًا تدريجيًا في النظرة الأوروبية إلى جماعة الإخوان حول نشاطها المتطرف، لكن لا يمكن التعميم على كل أوروبا؛ لأن السياسات تختلف من دولة إلى أخرى.
في التسعينيات وبداية الألفية، كانت بعض الحكومات الأوروبية تنظر إلى الإخوان باعتبارهم "شريكًا دينيًا معتدلًا" مقارنة بالجماعات العنيفة، أما اليوم فالصورة أكثر تعقيدًا؛ هناك وعي متزايد بأن الإسلام السياسي، حتى عندما لا يستخدم العنف المباشر، قد يعمل على المدى البعيد على إعادة تشكيل المجتمعات المسلمة في أوروبا وفق مشروع أيديولوجي مغلق، يتنافى مع قيم المواطنة والمساواة وحقوق الإنسان، ويُنتج توترًا مع بقية المجتمع.
إلى جانب ذلك، تراكمت خبرات أمنية وقضائية وإعلامية تظهر أن بعض الأطر الإخوانية تستفيد من هامش الحرية في الديمقراطيات الأوروبية، وتسخرها لبنيتها التنظيمية والمالية العابرة للحدود.
مع ذلك، هناك أصوات في أوروبا تدعو إلى التفريق الدقيق بين ما هو "إخواني" وما هو "إسلامي" عام، وتحذّر من أن أي مقاربة شمولية وغير دقيقة قد تؤدي إلى ظلم كثير من المسلمين الذين لا علاقة لهم بالإسلام السياسي.
موجات اللجوء الكبيرة، خصوصًا بعد 2015، خلقت واقعًا اجتماعيًا جديدًا في أوروبا. مئات الآلاف من اللاجئين جاؤوا في ظروف هشّة للغاية، بين لغة غير جديدة، وصدمة حرب، وفقر، وشعور بالضياع، وفجوة كبيرة بينهم وبين المجتمع المضيف.
وفي مثل هذه الحالات، تصبح كل بنية منظمة تقدم خدمات أو هوية أو شعورًا بالانتماء جذّابة جدًّا. والإخوان استغلوا حاجة اللاجئين في أوروبا باستقطاب أبنائهم للفكر المتطرف.
هنا يدخل دور جماعات الإسلام السياسي، ومنها الأطر المرتبطة بالإخوان، فهي تمتلك خبرة تنظيمية طويلة، وقدرة على العمل عبر جمعيات ومراكز ومساجد، تقدم خدمات اجتماعية وتعليمية ودينية.
وعندما ترتبط هذه الخدمات بخطاب أيديولوجي، يكون الخطر أن تتحوّل من دعم إنساني إلى استقطاب فكري وتنظيمي، خاصةً لدى الشباب الذين يبحثون عن معنى وانتماء.
القلق من الإسلاموية، بما فيها الأطر القريبة من الإخوان، يتزايد بوضوح في المجتمعات الأوروبية، خصوصًا بعد الهجمات الإرهابية في باريس، وبروكسل، وبرلين وغيرها، وبعد مشاهد تظاهرات ترفع شعارات معادية للديمقراطية أو تمجّد رموزًا متطرفة، حيث رأى الكثير من المواطنين الأوروبيين في هذه الظواهر تهديدًا لنمط حياتهم، لقيم المساواة بين المرأة والرجل، وحرية التعبير، وللسلم الاجتماعي.
لكن في الوقت نفسه، هناك وعي متنامٍ لدى النخب الفكرية والقطاعات الواسعة من المجتمع بأنّ الخلط بين المتطرفين وبقية المسلمين خطأ قاتل؛ لأن أغلب المسلمين في أوروبا يعانون هم أنفسهم من التطرف الإخواني ويقفون ضده، ويريدون حياة مستقرة وآمنة في إطار ديمقراطي.
التحدي هو أن نطوّر خطابًا وسياسات تواجه التطرّف بلا تهاون، ولكن دون شيطنة الإسلام والمسلمين.
جماعات الإسلام السياسي في أوروبا استفادت من مساحة الحرية التي تتيحها الديمقراطيات الليبرالية. ويمكن رصد عدة آليات ومحاور متكررة في هذا السياق.
أولاً: استغلال حرية تكوين الجمعيات والمؤسسات لإنشاء مساجد ومراكز ثقافية وخيرية تبدو في ظاهرها دعوية أو اجتماعية، لكنها في بعض الحالات تُستخدم كفضاء لنشر أيديولوجيا مغلقة، وبناء شبكة ولاءات تنظيمية.
ثانيًا: الاستفادة من الإعفاءات الضريبية والصفة الخيرية، حيث تُسجَّل بعض المؤسسات كهيئات غير ربحية أو خيرية، بينما تُستخدم مواردها لدعم هياكل مرتبطة بالإسلام السياسي داخل أوروبا أو خارجها.
ثالثًا: اللعب على خطاب الحقوق والحريات، أي استخدام لغة مكافحة العنصرية والتمييز لردّ أي نقد أو مساءلة عن نشاطات أو خطابات متطرفة، عبر اتهام النقّاد بأنهم "إسلاموفوبيون" أو معادون للإسلام، مع أن الاعتراض غالبًا يكون على بنية أيديولوجية سياسية لا على الدين نفسه.
رابعًا: بناء شبكات عابرة للحدود بين جمعيات في دول مختلفة، بحيث تُستخدم أوروبا كقاعدة تنظيمية آمنة نسبيًا لنشاطات سياسية أو أيديولوجية تمتد إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ملف التبرعات في السياق الديني والإنساني ملف حساس جدًا؛ لأنه يقوم على ثقة الناس ورغبتهم في فعل الخير. وعندما تدخل جماعات الإسلام السياسي على هذا الخط، يمكن أن يحدث خلط بين العمل الخيري المشروع والتوجيه الأيديولوجي للأموال.
بعض الشبكات تستفيد من عاطفة المسلمين تجاه قضايا مثل فلسطين أو سوريا أو الفقر في العالم الإسلامي، لتجمع تبرعات تحت شعارات إنسانية، ثم تُوجَّه هذه الأموال جزئيًا أو كليًا إلى مشروعات مرتبطة بأجندة تنظيمية أو سياسية.
يتعامل القانون الأوروبي مع هذا الملف من خلال قواعد الشفافية المالية، وقوانين مكافحة غسل الأموال، والرقابة على التمويل الأجنبي. وفي السنوات الأخيرة، شهدنا تشديدًا ملحوظًا في الرقابة على الجمعيات، وإغلاق بعض المنظمات أو تجميد حساباتها عندما وُجدت أدلة على دعمها لمشروعات متطرفة أو ارتباطها بجهات مدرجة على لوائح الإرهاب.
يمكن القول من حيث المبدأ إنّ أي شبكة تستغل الجمعيات الخيرية أو المراكز الدينية أو شركات الواجهة لصالح مشروع تنظيمي سري، يمكن أن تُتهم نظريًا بجرائم مثل التهرب الضريبي، وإساءة استخدام صفة "منظمة غير ربحية"، وتلقي تمويل غير معلن من جهات خارجية، أو حتى غسل أموال، لكن نسبة هذه الجرائم إلى "شبكة الإخوان" ككل في أوروبا تتطلّب عملاً قضائيًا وتحقيقًا دقيقًا.
المعضلة الأساسية التي تواجه كثيراً من الدول الأوروبية، ومنها ألمانيا، تتمثّل في حاجة الدولة إلى شركاء مسلمين يمكن الاعتماد عليهم في القضايا الدينية والمجتمعية، فكما تتعامل الحكومات مع الكنائس المسيحية بوصفها ممثلاً مؤسسياً واضحاً للمسيحيين، وتتخذها جهة مخاطبة رسمية في الشأن الديني، تحتاج الدولة أيضاً إلى بنية موازية على الجانب الإسلامي، غير أنّ الواقع يكشف فجوة كبيرة، لأن الغالبية العظمى من المسلمين في ألمانيا غير منظمين في أي إطار مؤسسي، وما يظهر في المشهد العام في الأساس تنظيمات الإسلام السياسي، التي نشأت لأسباب سياسية، لا دينية أو روحية.
هنا يكمن خطأ سياسي جوهري، إذ تلجأ الحكومات إلى هذه التنظيمات بوصفها ممثّلة للمسلمين، مما يعطيهم شرعية لا يستحقونها، ولا تعبّر عن حقيقة التنوّع داخل المجتمع المسلم. هذه الوضعية أدّت إلى تضخيم دور جهات أيديولوجية، مثل جماعات الإخوان، التي تستفيد من هذا الفراغ المؤسسي وتتوسع من خلاله.